جنّة المعلاة في مكّة المكرّمة
أولى ضحايا الحقد الوهّابي على الآثار النبويّة
إعداد: «شعائر»
* جنّة المعلاة، من أقدم المدافن في مكّة المكرمة، وتعرف أيضاً، بـ«مقبرة الحَجون».
* تضمّ أضرحة عدد كبير من أجداد النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأقاربه والصحابة والتابعين.
* ثاني أشهر المدافن العامة في الحجاز بعد «بقيع الغرقد»، وتعدّ من أبرز المزارات في الديار المقدّسة.
* تشتهر بين الحجّاج والمعتمرين من المسلمين الشيعة باسم «مقبرة أبي طالب عليه السلام»، أو «مقبرة بني هاشم».
* لم تسلم من الحقد الوهّابي، فتعرّضت معالمها والقباب المشيّدة على أضرحتها إلى الهدم التامّ، إبان الحملة السعودية لهدم الآثار النبويّة سنة 1925م.
تقع «مقبرة المعلاة» -وقد يقال أيضاً: المعَلّى، أو جنّة المعلاة، أو مقبرة الحَجون- على سفح جبل الحَجُون في مكّة المكرّمة. ويحدّها غرباً جبل السليمانية. ولذا، ورد في عددٍ من المصادر، هكذا: «مقبرة المعلاة في حيّ السليمانية».
قال ابن بطوطة في (رحلته) يصفُ جنّة المعلاة: «..وعلى هذه الجبّانة، طريق الصاعد إلى عرفات، وطريق الذاهب إلى الطائف وإلى العراق».
والمعلاة -بفتح الميم- هو القسم العلويّ من مكّة، فكلّ ما نزل عن المسجد الحرام يسمّونه «المسفلة»، وما ارتفع عنه يسمّونه «المعلاة».
ولا يُعلم بمكّة شِعبٌ يستقبل ناحية من الكعبة ليس فيه انحراف، إلّا شعب المعلاة؛ فإنّه يستقبل وجه الكعبة كلّه مستقيماً.
دُفن في هذه المقبرة عدد كبير من الشخصيات، أشهرها: عبد المطّلب جدّ رسول الله، وأبو طالب عمّه صلّى الله عليه وآله، وأمّ المؤمنين السيدة خديجة سلام الله عليها، وابنها القاسم بن رسول الله.
وقيل: إن فيها مدفنَ السيدة آمنة بنت وهب، والدة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله. والمشهور أنها، سلام الله عليها، دُفنت بالمدينة المنوّرة.
كذلك تضمّ «جنّة المعلاة»، ضريحي أوّل شهيدين في الإسلام؛ ياسر وسمية؛ أبوي الصحابيّ الجليل عمّار، قتيلِ الفئة الباغية.
في السنوات الأخيرة، شُطرت المقبرة إلى نصفين؛ الشماليّ ويضمّ أضرحة الهاشميّين ويحوطه جدارٌ عازل، والجنوبيّ المحاط بسياجٍ حديديّ، وفيه قبور سائر الناس.
لمحة تاريخية
أقدم مقطع شعري يتحدّث عن «مقبرة الحَجون» يعود إلى رجلٍ من «جُرهُم»؛ القبيلة التي نزحت إلى جوار البيت الحرام، بعد أن أفاض الله تعالى ماء زمزم للسيدة هاجر وابنها اسماعيل عليهما السلام.
يحتمل بعض المؤرّخين، أنّ أهل مكّة اتّخذوا «المعلاة» مقبرةً، بعد أن دُفن فيها «قصيّ»، الجدّ الرابع لرسول الله صلّى الله عليه وآله. فقد كان ذا منزلةٍ عظيمة في الحجاز، وهو الذي انتزع سدانة البيت من «خزاعة»، وأعادها إلى قريش، وما زالت في أشرف أحيائها، حتّى استولى آل سعود على الديار المقدّسة.
يقول العلامة الشيخ محمّد باقر الكجوري في (الخصائص الفاطمية): «واستقام أمر قصيّ وعلا صيته، ورتّب قريشاً على منازلها في النسب بمكّة، وهو أوّل من أسرجَ الضياء في المشعر الحرام، وبه سمّي المَشعر مشعراً، وهو أوّل مَن دُفن في الحَجون، ولا زال قبره هناك في مقبرة المعلّى».
ثم أخذ أهل مكّة بدفن موتاهم في السفحين الأيمن والأيسر للجبل، وتوالت عملية الدفن حتى أصبحت مع بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله من أهم المقابر المكية.
ولأبي طالب عليه السلام، أبيات يعدّد فيها أسماء الرجالات المدفونين في المعلاة. وتزخر المصادر التاريخية، المتقدّمة والمتأخرة، بذكر أحوال النساء والرجال المعروفين من القضاة، والمحدّثين، والقرّاء، والأشراف، والأمراء المكيّين المدفونين فيها فُرادى، أو على شكل مقابر عائلية. ولا تفوت هذه المصادر، الإشارة إلى المنزلة الجليلة التي يوليها المسلمون عامّة، والشيعة خاصّة، لجنّة المعلاة، ولا سيّما لضريحَي المولى أبي طالب والسيدة خديجة، عليهما السلام.
مكانتها والأحداث المرتبطة بها
* اكتسبت جنّة المعلاة قيمةً مضافة بعد البعثة النبوية، ودفْنِ كلٍّ من أبي طالب والسيدة خديجة فيها.
* ضاعف من أهميّتها، ما رواه المسلمون من حديث النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، في فضلها والدفن فيها.
* حظيت جنّة المعلاة وأضرحتها باهتمام الشعراء والأدباء، ما عزّز مكانتها في الوسط الاسلامي.
* تواترت في المصادر الحديثية، رواية لقاء جماعة من الجن النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، ومبايعته في موضعٍ قريب من «المعلاة». لذلك، شيّد المسلمون مسجداً إلى جوار الحَجون، ما تزال آثاره ماثلة، يُعرف بـ«مسجد الجنّ»، أو «مسجد الحَرَس». وقيل في سبب التسمية الأخيرة، أن الخفير بمكّة كانوا يجوبونها وأطرافها ليلاً، فإذا أشرفوا على ذلك الموضع انحازوا عنه رهبةً!
* سكنها أبو موسى الاشعري بعد عملية التحكيم، والإحباط الذي أصابه من جرّائها.
* فيها صَلب الحَجّاجُ بن يوسف، جثةَ عبد الله بن الزبير.
تخريب الوهابيّين لمعالمها
تعرّضت معالم جنة المعلاة من القباب والأضرحة، للتخريب والهدم على يد جماعة الوهابية التكفيرية سنة 1925م، وذلك عقب إزالة معالم البقيع في المدينة المنوّرة، الأمر الذي لاقى اعتراضاً واستهجاناً من قبل عموم المسلمين، وقد تذرّعت الوهابية ببعض الروايات المجعولة تارةً، وإنكار وجود أضرحة أهل البيت عليهم السلام تارةً أخرى، إلا أن ذلك كلّه لم يحدّ من غضب المسلمين ونفورهم جرّاء هذا العمل الشنيع.
وفي كتاب (شجرة طوبى: 1/175) للمحدّث الجليل الشيخ محمّد مهدي الحائري، رحمه الله، وصفٌ لجريمة الوهابيّة في مكّة المكرّمة، يقول:
«..ثم إنهم لمّا بلغوا مكّة المشرّفة هدموا المساجد المعظّمة كمسجد الجنّ.. والقباب المتبرّكة؛ كقبّة عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أبي طالب، وقبّة جدّه عبد المطّلب، وقبّة زوجته خديجة الطاهرة أمّ المؤمنين، وأمّه آمنة بنت وهب.. وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل، ويغنّون بالقوافي، ويستهزئون بالقبور التي هدَموها، وهدموا قبّة مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقالوا: (هذا الموضع الذي ولدتْ فيه تلك المرأة ذلك المولود)! يريدون آمنة عليها السلام، والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقالوا: عندما هدموا قبر خديجة عليها السلام: (طالما عبدكِ الناس! فالآن قومي وامنعينا)! وبعد تخريبه أساؤوا إليها وأطلقوا الرصاص على قبرها، ويُنادي بعضهم: (هاكِ يا خديجة)!.. وهدموا مولد سيدتنا فاطمة عليها السلام، فتلك أفعالٌ قد ظهرت منهم في حرم الله..».
مقام السيدة خديجة الكبرى عليها السلام
من أبرز معالم «جنّة المعلاة» ضريح سيّدة أمّهات المؤمنين، سيّدتنا ومولاتنا خديجة الكبرى عليها السلام.
توفّيت السيدة خديجة صلوات الله عليها، في السنة العاشرة من البعثة، وكانت فجيعة رسول الله صلّى الله عليه وآله برحيلها لا توصَف، فقد بقيَ يذكرها حتّى آخر أيام حياته في هذه الدنيا، ويذكّر المسلمين بعميم فضلها عليهم.
في (الخصائص الفاطمية: 1/451) للعلامة الكجوري، يقول:
«الرواية المشهورة أنّ ملائكة الرحمة جاءت بالكفن لخديجة عليها السلام، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج في جنازتها وهو في غاية الحزن، ونزل في قبرها ووسّدها بيده الشريفة في لحدها.
وقبرُها المطهّر في الحَجون من مكّة في مقبرة المعلّى، قبالة قبر السيدة آمنة بنت وهب عليها السلام، أمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد بُني على قبرها قبّة سنة سبعمائة وسبع وعشرين، ولا زال أهل مكّة يزورون تلك التربة الزاكية والبقعة السامية لإظهار الخلوص والمحبّة، فيُنشدون الأشعار وينظمون القصائد ويعلّقونها هناك، ويخرجون يوم ولادة الرسول من بيت خديجة إلى مزارها، يحتفلون ويبتهجون.
وقد أثبتت التجربة أنّ زيارتها ترفع الهمّ وتكشف الغمّ، وتدفع المصائب والنوائب الدنيويّة والأخرويّة، رزقنا الله محبّتها، وثبّتنا على مودّتها».
وفي منتصف القرن الهجري العاشر، شيّد بعض السلاطين العثمانيّين قبّة على الضريح المنوّر، على طريقة العمارة المصرية. وتمّ تعيين مشرف لإدارة شؤون المقام، ومعه خادم وقارئ للزيارة، وبقي هذا التدبير معتمداً حتّى نكبة الحرمين بالوهابية سنة 1925م.
يقول المرجع الديني الراحل الشيخ محمد أمين زين الدين، في رسالته العملية (كلمة التقوى: 3/499):
«مسألة: يُستحبّ له -أي للحاجّ أو المعتمِر- أن يزور قبر السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، وقبرها معروف في مقبرة الحجون، ويقع في سفح الجبل، وأن يزور أبا طالب مع الإمكان، وقبور مَن تصحّ زيارته وتمكّن من الهاشميّين وغيرهم، على أن لا يعرّض نفسه للأخطاء والأخطار».