إنّا خلقناكم ...لتعارفوا
أكرمكم أتقاكم
_____ السيد محمد كلانتر _____
الإسلام هو كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. هذه روحه، وتلك دعوته. هكذا عرّفه الله وعرفتها الشعوب حقيقة واقعيّة لا مرية فيها.. إذن فما سبب اعترافه بقانون الاستعباد البشري الذي يتناقض مع قانون العدل والإنصاف ويَستَبْشعه العقل الحكيم؟ولماذا هناك اعتراض على الإسلام من ناحية اعترافه بقانون «الرقّيّة» -استعباد إنسان لمثله- الأمر الذي يتنافى والمعهود من روح «العدالة» الإسلاميّة التي تتحكّم في جميع قوانينه وأحكامه وانتظاماته. من مقدمة كتاب الشهيد الثاني «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» تحقيق وإشراف: السيّد محمّد كلانتر على أحد فصول الكتاب اخترنا ما يلي.
البشر كلّهم سَواسيَة
قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (الحجرات: 13).
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾(الإسراء:70).
«لا فضْل لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض» حديثٌ مشهور عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، فالناس كلّهم من ولد آدم إخوة سواء.
لقد كانت جيوش المسلمين تتّجه إلى أكناف العالم صارخة بالدعوة إلى الحريّة والعدالة والعلم لتحرّر الشعوب من نير الاستعباد ، ومن ضَغط الظلم . وظُلمة الجهالة . وكانت الأمم تَدخل في دين الله أفواجاً أفواجاً من غير إكراه ، أو عنف ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..﴾ (البقرة:256).
هكذا عرَّف الإسلام نفسه. وهكذا عرَفته الأمم فأقبَلت تعتَنقه عن طَوْع ورغبة.
كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة
نَبذَ الإسلام العنصريّة وحارَبها حرْباً شعواء. وأما القوميّات فتنصهر في بوتَقة الدين الإسلامي لتكوين أمّة واحدة تبتني وحدتها على أساس العقيدة والإيمان بالله. فكلمة التوحيد هي الأساس لتوحيد الكلمة.
إنّ الإسلام لم يعترف بقانون الاستعباد البشري إطلاقاً - على ما كان المتداول عند الأمم المتمدّنة آنذاك - أمثال الرومان والفرس واليونان وغيرهم... جاء الإسلام - والعالم منهمك في مهاوي الغيّ والفساد – وجعل حداً لتلك المظالم، ونهاية للعَبَث والفساد، فتنتهي الأمم عن غيّها وجَهلها، وتهتدي إلى سُبُل الصلاح والسلام والعلم والعدل والإنْصاف: سبيل الإنسانيّة الفاضلة...!
فأخذ الإسلام في مبارزة الأفكار قبل مبارزة الأشخاص... فقال:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ أي كلّكم من أب واحد ومن أمّ واحدة ، وكلّكم أخوة وبنو أب واحد ﴿َوجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ مختلفة في العادات ، وفق اختلاف الأصقاع والبيئات، ﴿لِتَعَارَفُوا﴾ وتسعى كل أمة في ترفيع مستواها على أختها ، وبذلك يتدرَّج الإنسان على مدارج المدنيَّة الراقية.