ليس الإسلام تراثاً!
ـــــــــــــــــــ الشيخ حسين كَوراني* ـــــــــــــــــــ
ثمّة فارقٌ كبيرٌ جداً بين التعامل مع النَّصّ الدينيّ من منطلَق أنه «نَصٌّ معصوم»، وبين التعامل معه باعتباره جزءاً من «التراث»!
والمرادُ بـ«النصّ المعصوم»:
أوّلاً: نَصُّ القرآن الكريم المحفوظ بين الدّفتَين:
ثانياً: نَصُّ النبيّ والوليّ المعصوم نفسه؛ فعندما يكون المتحدّث ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾، فنصّه أيضاً معصوم. وكذلك عندما يكون المتحدّث مَن ثبت له، ما ثبت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ما عدا المختصّات.
تثبت النظرة الفاحصة الموضوعية:
1) أنّ خلاصة ما توصّل إليه الفكر البشريّ في مجال الاجتماع السياسي ليس جديداً على الإسلام، وإنْ كانت للإسلام مقاربته المتميّزة لكلّ المحاور الفكرية التي نتوهّم حداثتها، بالمعنى الاستهلاكيّ للحداثة. تؤكّد ذلك مقاربات كبار الاختصاصيّين في النصّ الديني.
2) كما أنّه لا تعارض بين الإسلام والذُّرى العلمية.
3) النصّ المعصوم هو المنجَم للبحث عن كلّ جديد.
وهذا ما يُتيح توكيد رفض توصيف الإسلام بأنّه تراث.
هذا التوصيف يفتقر إلى الموضوعية، عندما يُطلق على حقيقة هي فوق أن ينال من توهّجها الزمان.
هل يصدق هذا التوصيف على نهر الحياة المتدفّق في الشرايين والأوردة والوجود، وعلى الهواء والماء والشمس والقمر؟
وهل نهر المعرفة، بل بحار الحقيقة، أقلّ شأناً وأهون قدراً من أيٍّ من هذه الحقائق المتوهّجة بنور الحقيقة المحمّدية: الإسلام؟
أيّ ثقافة تسمح للفرد، مهما علا كَعبه، أن يجعل من نفسه وعصرها ودورته المحدودة مفصلاً بين الحديث والقديم الرجعيّ والمتجدّد، بل مقصلة تُنحَر عليها أعناق كلّ الحقائق التي جهلها، فإذا هي لديه خرافات! وهو -لا غيره- يردّد: «نصفُ العلم: لا أدري»! «كلّ ما طرق سمعك فذره في بقعة الإمكان»! «إذا جاء الاحتمالُ بطل الاستدلال»!
وأعظم ما هنالك أن يكون وصف فكرٍ ما بـ«التراث»، يعني أنّه توأم البدائية وعدم النضج، أو حتى الأسطورة والخرافة.
الأنبياء رسلٌ إلى البشرية لتفتح آفاقها على الغَيب الذي لا يُمكنها اكتناهه بدون تدخّلٍ إلهيّ، وليس المستقبل في هذه الدنيا إلّا شوطاً من المستقبل كلّه، والنصّ المعصوم معنيٌّ به عنايته بالمصير، يُوليه أهمية قصوى باعتباره الشوط الذي يتحكّم بالنتائج، رغم قصر المدة.
ويريد لنا هذا اللون من «النخب» أن نتعامل مع الدّين باعتباره تراثاً، أي أن نقفل عقولنا عن التفاعل معه، إلا بمنطق «الفولكلور»!
ونحن في الغالب لا نعرض الدّين إلا بما يعزّز هذه الفِرية، الأمر الذي يفضح تناقضنا، حيث إنّ معنى الدين يستبطن أجلى خصائص الحقيقة، وهو كونها أكبر من الزمن: الماضي منه، والحاضر، والمستقبل.
ومعنى التراث يستبطن -عادةً- الخضوع لدورة الزمن.
ومَن شاء الدخول في جدلٍ لغويّ تِقنيّ فذلك شأنه، إلا أنّي أستشهد موضوعيتَه، ليكتشف من خلال المركوز في ذهنه السائدِ في استعمالاتنا لمفردة التراث، أنّ المراد، دائماً، هو المعنى الانتقاصيّ، الذي ذكرتُ.
___________________________
* (في المنهج – المعصوم والنص)، بتصرّف يسير