مسجد آل إبراهيم الخليل
جبلُ حِراء... مهبطُ الوحي وموطن التجلّي الأتمّ
إعداد: «شعائر»
* حِراء -بالكسر والتّخفيف والمد- جبلٌ على ثلاثة أميالٍ من مكّة المكرّمة، وفي أعلاه قمّةٌ شامخةٌ.
* كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعتزلُ في بعض غيرانه للعبادة قبل مبعثه الشريف، ومن ثمّ عُرف الغار باسم الجبل، فيقال: «غار حراء».
* في هذه الغار، وفي اليوم السابع والعشرين من رجب من السنة الأربعين بعد عام الفيل (610م)، نزل الروح الأمين جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فتلا عليه أولَ ما نزل من الوحي، وهو الآيات الخمس الأولى من سورة العلق المباركة.
* بات الجبل يُعرف منذ عهد الإسلام الأول، وبلحاظ نزول الوحي فيه، بـ«جبل النور»، ويعدّ غار حراء من المزارات التي يقصدها الحجّاج والمعتمرون في مكّة المكرمة.
يقع «جبل حِراء»، شمال شرق مكّة المكرّمة، على مسافة ثلاثة أميال منها، وعلى نحو أربعة أميال من المسجد الحرام. هذا، قبل الزحف العمراني الحديث، حيث باتت الأبنية السكنية تتاخم سفوحه اليوم.
وجبلُ حِراء مخروطيّ الشكل، يبلغ ارتفاع أعلى قِممه 650 متراً عن سطح البحر، ويُشرف على وادي مِنى، متوسّطاً الطريق بينها وبين صعيد عرفات.
قمته أرضٌ منبسطة تبلغ مساحتها أربعين متراً مربعاً، ولا تحدّها عوائق صخرية، ما يمكّن مُعتليها من مشاهدة أحياء المدينة المقدّسة.
أما الغار، وقد باتت تُعرف باسم الجبل نفسه، فتقع على مسافة عشرين متراً من القمّة، واجهتُها ناحية بيت المقدس، وفي منتهاها كوّة تطلّ على المسجد الحرام والكعبة المشرّفة.
مجاورة النبيّ صلّى الله عليه وآله في حِراء
من الحقائق المتسالم عليها بين المسلمين كافّة، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان يعتزل أهل مكّة قبل البعثة، فيقصد «حِراء»، ويتفرّغ في هذه الغار بعينها للعبادة والتفكّر، وقد نزل عليه الوحي أول ما نزل فيها، وذلك لثلاثٍ بقين من رجب، سنة أربعين بعد معجزة الطير الأبابيل.
وقد أفصح عن هذه الحقيقة بجلاء أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، في خطبته القاصعة، حيث يقول صلوات الله عليه:
«..ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ الله صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ...».
وفي (الخرائج) للراونديّ، عدّ من معجزات رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه «كان على جبل حِراء فتحرّك الجبل، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (اُسكنْ، فما عليكَ إلا نبيّ أو وصيّ). وكان معه علّي عليه السلام، فسكن».
وفي (أخبار مكّة) لمحمّد بن عبد الله الأزرقي: «..جاءت خديجة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.. وهو بحِراء فجاءه جبريل فقال: يا محمّد، هذه خديجة قد جاءت... واللهُ يأمرك أن تُقرئها السلام وتبشّرها ببيتٍ في الجنة».
وقد تعدّدت أقوال كُتّاب السيرة في الفترة الزمنية التي كان يُمضيها النبيّ في حِراء، وأقلّها أنه كان يعتكف فيه شهراً متواصلاً، لا سيما شهر رمضان. وفي مصادر أُخَر أنه كان يقصده يوميّاً، لا سيما في الفترة المتّصلة بالبعثة.
نزول الوحي
في الروايات عن الأئمة من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّ الوحي بدأ في «أفُقٍ مبينٍ» لا لبسَ فيه ولا خوف، وهو قوله تعالى في سورة التكوير: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾. أي إنّ جبريل الأمين تمثّل للنبيّ صلّى الله عليه وآله في أُفقٍ مبين، وهو «الأفق الأعلى» المذكور في سورة النجم، والمراد بهما -وفقاً للعلامة الطباطبائي في الميزان- الأفق الشرقيّ، أو أفقٌ أعلى من السماء الدنيا.
وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ، عن أبي الحسن الهادي عليه السلام أنّه قال: «..إنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا تركَ التجارةَ إلى الشام، وتصدّق بكلّ ما رزقه اللهُ تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كلّ يومٍ إلى حِراء يصعدُه...ويعبد الله حقّ عبادته.
فلمّا استكمل أربعين سنة... أَذِنَ [اللهُ تبارك تعالى] لأبواب السماء ففُتحت... وأَذِنَ للملائكة فنزلوا ومحمّدٌ صلّى الله عليه وآله وسلّم ينظرُ إليهم، وأمرَ بالرحمة فأُنزلت من لدنْ ساق العرشِ إلى رأس محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم وغمرَته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور... هبط إليه، وقال: يا محمّدُ، اقرأ...».
وروي في صحاح المسلمين السنّة، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان يجاور بحِراء في كل سنة شهراً، وكان يطعم في ذلك الشهر مَن جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره انصرف إلى مكّة وطاف بالبيت سبعاً قبل أن يدخل داره، حتى جاءت السنة التي أكرمه الله بالرسالة، فجاور في حراء شهر رمضان ومعه أهله؛ خديجة وعليّ وخادمه.
المتألّهون من آل إبراهيم أبي الأنبياء
كان أجداد رسول الله على الحنيفيّة الإبراهيمية، وكذا أبواه عبد الله وآمنة، وعمّه أبو طالب عليهم السلام.
وقد رُوي عنه قوله صلّى الله عليه وآله في حقّ جدّه لأبيه: «إن اللهَ يبعثُ جدّي عبد المطّلب أمّةً واحدة، في هيئة الأنبياء وزيّ الملوك».
وفي المصادر التاريخية أن أول مَن «تحَنّث» -أي تعبّد لله الأحد- في غار حِراء، هو جدّ النبيّ هاشم، ومن ثمّ ابنه عبد المطّلب، فأبو طالب. بل فيها ما يُشير إلى أبعد من ذلك. ينقل العالم الجليل الشيخ علي النمازي الشاهرودي رضوان الله عليه، في (مستدرك سفينة البحار)ـ عن (كتاب الأنوار) للشيخ البكري، قال: «سارَ إليه -أي إلى النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله- العباسُ في جبل حِراء، فإذا هو فيه نائماً في مرقد إبراهيم الخليل، ملتفّاً ببُرده..».
وفي معاجم اللغة أن «التحنّث» أصله «التحنُّف» من الحنيفية، فأُبدلت الفاء بالثاء، نحو جدث وجدف، بمعنى القبر.
وفي (تاريخ) ابن الأثير أن عبد المطّلب رفض عبادة الأصنام ووحّد الله تعالى، وركن إلى عبادته سبحانه في غار حراء، وإطعام الطير والوحش هناك. فكان يصعد حِراء في شهر رمضان ويُطعم المساكين جميع الشهر، لذلك سمّته قريش «إبراهيمَ الثاني».
المنن السابغة
الدّعاء عند رؤية الهلال
* رُويَ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه كان يقول: «أللّهمَّ أَهِلَّه علينا بالأمْنِ والإيمانِ والسّلامةِ والإسلامِ، ربّي وربّك الله عزّ وجلّ». ونفهم من روايات أخرى أنّ المخاطَب بالعبارة الخيرة هو الهلال.
* ورُويَ أنّه صلّى الله عليه وآله كان إذا رأى هلال شهر رجب، قال: «اللّهمّ بارِك لنا في رَجَب وشعبان وبلِّغنا شهر رمضان، وأَعِنَّا على الصّيامِ والقيامِ، وحفظِ اللّسان، وغضِّ البصر، ولا تجعل حظَّنا منه [من شهر رمضان] الجوع والعطش».
* ومن المُستحبّات أن يقرأ عند رؤية الهلال (فاتحة) الكتاب سبع مرّات.
* ورُويَ أيضاً أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا رأى الهلال، كبرّ ثلاث مرّات وهللَّ ثلاثاً، ثمّ قال: «الحمدُ للهِ الذي أَذهبَ شهر كذا [ويذكر الشهر الماضي] وجاء بشهر كذا [ويذكر الشهر الذي حلَّ]».
(إقبال الأعمال: 3/173)