ما أنا لكم بخازن...
قبسٌ من مناقب سيّد الأوصياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من التغييب الممنهج لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام من قبل حكّام الجور، إلّا أنّ ما تسرّب منها يشي بمنهاج عدل ورحمة لا يقوم به إلّا ربيبُ الوحي، ومَن كان من خاتم النبيّين صلّى الله عليه وآله كـ«الصُّنو من الصّنو».
ما يلي، صوَر ناطقة من أحوال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ودُرر من بيّناته اخترناها من مصادر عدّة، أبرزها (تاريخ ابن عساكر)، و(الغارات) للثقفي الكوفي، و(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد.
* ذُكر عند ابن عبّاس أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: «إنّكم تذكرون رجلاً كان يسمع وطْأ جبرئيل فوق بيته».
* يُروى أنّه عليه السلام لمّا كان يفرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم النّاس والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط [بستان] له يعمل فيه بيده، وهو مع ذلك ذاكرٌ لله جلّ جلاله.
* وكان إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من النّاس؛ فيعلّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك.
* وسُئل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: لِمَ سمّي أميرُ المؤمنين، أميرَ المؤمنين؟
فقال: «لأنّ مِيرة المؤمنين منه، هو كان يَميرهم العلم». [الميرة: الطعام الذي يدّخره الانسان]
..وهذا اليقين
* عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «جلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى حائط مائل يقضي بين النّاس. فقال بعضهم: لا تقعدْ تحت هذا الحائط فإنّه مُعور [أي ذو شقّ وخلل يُخاف منه]. فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: حرَس إمرءاً أجلُه.
فلمّا قام أمير المؤمنين سقط الحائط. قال [الصادق] عليه السلام: وكان أمير المؤمنين ممّا يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين».
* أتى أعرابيّ أميرَ المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد، فقال: مظلوم. قال: ادنُ منّي، فدنا، فقال: يا أمير المؤمنين مظلوم، قال: ادنُ. فدنا حتّى وضع يديه على ركبتيه. قال عليه السلام: ما ظُلامتك؟ فشكا ظلامته. فقال: يا أعرابيّ أنا أعظمُ ظُلامةً منك، ظلمني المَدَر والوبَر، ولم يبقَ بيت من العرب إلاّ وقد دخلَتْ مظلمتي عليهم، وما زلتُ مظلوماً حتّى قعدتُ مقعدي هذا، إنْ كان عقيل بن أبي طالب ليرمد، فما يدَعُهم يذرّونه حتّى يأتوني فأُذرّ، وما بعيني رمد. ثمّ كتب له بظلامته ورحل.
..ما مات أحدٌ منهم حتّى كان نبيَّ قومه
* سُئل الأصبغ بن نباتة، وكان من شرَطة الخميس -أي الجيش: ما كان منزلة أمير المؤمنين فيكم؟
فقال للسائل: ما أدري ما تقول، إلاّ أنّ سيوفنا كانت على عواتقنا، فمن أومى إليه ضربناه بها. وكان يقول لنا: «تشرّطوا، فواللهِ ما اشتراطُكم لذهبٍ ولا لفضّة، وما اشتراطكم إلاّ للموت، إنّ قوماً من قَبلكم من بني إسرائيل تشارطوا بينهم، فما مات أحدٌ منهم حتّى كان نبيَّ قومه، أو نبيَّ قريته، أو نبيَّ نفسه، وإنّكم لَبمنزلتهم، غير أنّكم لستم بأنبياء».
* وكان عليه السلام يقول: «إنّ أهل الجنّة ينظرون إلى منازل شيعتنا، كما ينظر الإنسان إلى الكواكب».
* وعنه عليه السلام: «إنّ البلاء أسرعُ إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي».
* أتت امرأتان عليّاً عليه السلام عند القِسمة؛ إحداهما من العرب والأُخرى من الموالي؛ فأعطى كلّ واحدة خمسة وعشرين درهماً وكُرّاً من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين، إنّي امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم!
فقال عليه السلام : «إنّي لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق».
أفتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم؟
* لمّا ولّي عليّ عليه السلام، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّي والله لا أرزؤكم من فيئكم درهماً ما قام لي عِذْقٌ بيثرب، فلتصدّقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم؟ [العِذق: شجر النخيل]
فقام إليه عقيل أخوه، فقال: والله لتجعلني وأسودَ بالمدينة سواء!
فقال عليه السلام: اجلس، أما كان هَهنا أحد يتكلّم غيرك؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقةٍ، أو بتقوى.
* عن عبد الرّحمن البرجمي، عن جدّته قالت: كان عليّ عليه السلام يقسم فينا الأبزار، يصرّه صرراً، الحرف [حبّ كالخردل]، والكمّون، وكذا، وكذا.
* أعطى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام النّاس في عام واحد ثلاثة أعطية، ثمّ قدِم عليه خراج أصفهان، فقال: أيّها النّاس اغدوا فخذوا، فوالله ما أنا لكم بخازن.
ثمّ أمر ببيت المال فكُنس ونُضح، فصلّى فيه ركعتين ثمّ قال: يا دنيا غرِّي غيري. ثمّ خرج فإذا هو بحبال على باب المسجد فقال: ما هذه الحبال؟ فقيل: جيء بها من أرض كسرى.
فقال: اقسموها بين المسلمين، فكأنّهم ازدروها فنقضها بعضهم، فإذا هي كتّان يعمل فتأسّفوا فيها فبلغ الحبل من آخر النّهار دراهم.
* وأُتي إليه بأحمال فاكهة، فأمر ببيعها وأن يُطرح ثمنها في بيت المال.
إنّما أُمرنا أن نأخذ منهم العفو
* عن عبد الملك بن عمير، قال: حدّثني رجل من ثقيف، أنّ عليّاً استعمله على «عُكبرا» [بلدة على شاطئ دجلة]، ولم يكن السواد يسكنه المصلّون. فقال لي بين أيديهم: لَتستوفي خراجهم ولا يجدون فيك رُخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً.
ثمّ قال لي: إذا كان عند الظهر فرُحْ إليَّ. فرحت إليه فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، (فقال لي): إنّي لم أستطع أن أقول لك إلاّ الذي قلتُ لك بين أيديهم، إنّهم قوم خُدَّعْ، ولكنّي آمرك الآن بما تأخذهم به، فإنْ أنت فعلتَ وإلاّ أخذك اللهُ به دوني! فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك عزلتُك، فلا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوةَ شتاءٍ ولا صيف، ولا تضربنّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تُهيّجه في طلب درهم، فإنّا لم نؤمَر بذلك، ولا تبيعنّ لهم دابّة يعملون عليها، إنّما أُمرنا أن نأخذ منهم العفو.
قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت. قال عليه السلام: وإن فعلتَ!
فذهبت فتتبّعت ما أمرني به فرجعتُ، واللهِ، ما بقيَ عليَّ درهمٌ واحد إلاّ وفيتُه.
* وروي أنّ عليّاً عليه السلام كان يكتب إلى أمراء الأجناد: «أُنشِدُكم اللهَ في فلاّحي الأرض أن يُظلموا قِبَلكم».
* وكان عليه السلام إذا بعث مصدّقه -أي جامع الصدقات- قال له: «إذا أتيتَ على ربّ المال فقلْ له: تصدّقْ، رحمَك الله، ممّا أعطاك الله، فإن ولّى عنك فلا تراجعه».
* ومتى بلغه عن أحد من ولاته جنايةً كتب إليه: «..إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظْ بما في يديك من عملنا حتّى نبعثَ إليك مَن يتسلَّمه منك.
ثمّ يرفع طرْفَه إلى السماء فيقول: اللّهمّ إنّك تعلمُ إنّي لم آمُرهم بظلمِ خلقِك، ولا بتركِ حقّك».
أصنعُ كما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
* كان عليٌّ عليه السلام يعطي الناس من الجمعة إلى الجمعة.. ويقول: «كان خليلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يحبس شيئاً لغد، وكان أبو بكر يفعل ذلك -أي يحبس- وقد رأى عمر بن الخطّاب في ذلك رأياً أنْ دوَّن الدواوين وأخّر المال من سنة إلى سنة، وأمّا أنا فأصنع كما صنع خليلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».
* وكان صلوات الله عليه يأخذ الجزية من كلّ صنع، من صاحب الإبرِ الإبرَ، ومن صاحب المسالّ المسالَّ، ومن صاحب الحبال حبالاً، ثمّ يدعو العرفاء فيُعطيهم الذهب والفضّة فيقتسمونه ثمّ يقول: خذوا هذا فاقتسموه، فيقولون: لا حاجة لنا فيه، فيقول: أخذتم خياره وتركتم عليَّ شراره، لتحملنّه.
* وروي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان يعرض السجون في كلّ يوم جمعة، فمن كان عليه حدّ أقامه، ومن لم يكن عليه خلّى سبيله.
* وكان عليه السلام، يُخرج أهل السجون؛ من أُحبس في دَين أو تهمة إلى الجمعة [أي صلاة الجمعة] فيشهدونها، ويضمنّهم الأولياء حتّى يردّونهم. وكذا الفسّاق، يُخرجهم إلى الجمعة، ويأمر بالتضييق عليهم.
* وإذا أخذ شاهد زور؛ فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه، وإنْ كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطِيف به، ثمّ يحبسه أيّاماً ثمّ يُخلي سبيله.