صنائع النبوّة وأتباع الولاية
تراجم خمسةٍ من الصحابة... لم يبدّلوا تبديلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العلامة الشيخ محمّد الرّيشهري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«اللّهُمّ وأصحابُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وَسَلّم، خاصّةً الّذينَ أحسَنُوا الصّحابَةَ، والّذينَ أَبلَوُا البلاءَ الحَسَنَ في نصرِهِ، وكانَفُوهُ وَأسرَعُوا إلى وِفادَتِه، وَسابَقُوا إلى دعوتِهِ، واستَجابُوا لهُ حَيثُ أسمَعَهُم حُجّةَ رسالاتِهِ، وفارقُوا الأزواجَ والأولادَ في إظهارِ كلِمتِهِ، وقاتَلُوا الآباءَ والأبناءَ في تَثبيتِ نُبوّتِهِ، وانتَصرُوا بِهِ، ومَن كانُوا مُنطَوينَ عَلى مَحَبّتِهِ يَرجُونَ تجارَةً لَن تَبُورَ في مَودّتِهِ... فَلا تَنسَ لَهُم اللّهُمّ ما تَرَكُوا لَكَ وفيكَ، وأرضِهِم مِن رِضوانِك..».
تلك فقرة من دعاء الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام لأتباع الرسُل عليهم السلام ومصدّقيهم، وهو الدعاء الرابع من أدعية (الصحيفة السجادية الكاملة). ومن هؤلاء الصحابة الذين حفظوا عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله لأمّته بتولّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، إمرة المؤمنين بعده، خمسة أبرار نقدم تراجم موجزة لهم نقلاً عن الجزء الثاني عشر من (موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ» للعلامة الشيخ محمد الرّيشهري.
«شعائر»
|
أبو أيّوب الأنصاريّ
هو خالد بن زيد بن كُلَيب، أبو أيّوب الأنصاري الخزرجي، وهو مشهور بكُنيته. من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله. نزل النبيّ صلّى الله عليه وآله في داره عند هجرته إلى المدينة. شهد أبو أيّوب حروب النبيّ جميعها. وكان بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله من السابقين إلى الولاية، والثابتين في حماية حقّ الخلافة، ولم يتراجع عن موقفه هذا قطّ. وعُدَّ من الاثني عشر الذين قاموا في المسجد النبويّ بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله ودافعوا عن حقّ عليّ عليه السلام بصراحة.
لم يَدَع أبو أيّوب ملازمة الإمام عليه السلام وصحبته. واشترك معه في كافّة حروبه التي خاضها ضدّ مثيري الفتنة. وكان على خيّالته في النهروان، وبيده لواء الأمان.
ولاّه الإمام على المدينة، وعَقَد له في الأيّام الأخيرة من حياته الشريفة لواءً على عشرة آلاف ليتوجّه إلى الشام مع لواء الإمام الحسين عليه السلام، ولواء قيس بن سعد لحرب معاوية، ولكنّ استشهاد الإمام عليه السلام حال دون تنفيذ هذه المهمّة، فتفرّق الجيش، ولم يتحقّق ما أراده الإمام عليه السلام.
وكان أبو أيّوب من الصحابة المكثرين في نقل الحديث. وروى في فضائل الإمام عليه السلام أحاديث جمّة. وهو أحد رواة «حديث الغدير»، و«حديث الثّقلين»، وكلام رسول الله صلّى الله عليه وآله للإمام عليه السلام حين أمره بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ودعوتهِ صلّى الله عليه وآله أبا أيّوب أن يكون مع الإمام عليه السلام.
توفّي أبو أيّوب بالقسطنطينيّة سنة 52 هجرية، عندما خرج لحرب الروم، ودُفن هناك.
أبو سعيد الخُدْرِيّ
هو سعد بن مالك بن شيبان، أبو سعيد الأنصاري الخدري، وهو مشهور بكنيته، أحد الصحابة والوجوه البارزة المشهورة من الأنصار. وهو من المحدّثين الكبار، وفي عداد رواة «حديث الغدير»، و«حديث المنزلة».
كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في كثير من غزواته، وبعده كان أحد الثابتين فكريّاً على معرفة الحقّ، وأحد الراسخين في دعم الحقيقة.
ذكره الإمام الصادق عليه السلام بتبجيل وتكريم، ونصّ على استقامته في طريق الحقّ. لم يترك مرافقة عليٍّ عليه السلام، وكان إلى جانبه في معركة النهروان. ودّع الحياة الدنيا سنة 74 هجرية.
قَرَظَة بن كَعْب الأنصاريّ
قرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، يُكنّى أبا عمرو. من صحابة النبيّ صلّى الله عليه وآله وفقهائهم. اشترك في غزوة أُحد وما تلاها من غزوات. فتح الريّ في زمن عمر. وليَ الكوفة، وبِهْقُباذات (من كُور المدائن)، وخراج ما بين النهرين في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام. كان مع الإمام في حروبه، وتوفّي في أيّام خلافته عليه السلام.
قال عنه ابن عبد البرّ في (الاستيعاب): «ولاّه عليُّ بن أبي طالب على الكوفة، فلمّا خرج عليّ إلى صفّين حمله معه، وولاّها أبا مسعود البدريّ».
وقال: «شهد قرظة بن كعب مع عليّ مشاهده كلّها، وتوفّي في خلافته في دارٍ ابتناها بالكوفة، وصلّى عليه عليّ بن أبي طالب».
بعث أمير المؤمنين عليه السلام بكتاب إلى قرظة بن كعب، قال له فيه: «أمّا بعد، فإنّ قوماً من أهل عملك أتوني، فذكروا أنّ لهم نهراً قد عفا ودرس، وأنّهم إن حفروه واستخرجوه عمرت بلادهم، وقووا على كلّ خراجهم، وزاد فيء المسلمين قِبلهم، وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عليه، ولست أرى أن أُجبر أحداً على عملٍ يكرهه، فادعهم إليك، فإن كان الأمر في النهر على ما وصفوا، فمَن أحبّ أن يعمل فمُره بالعمل، والنهر لمن عمله دون مَن كرهه، ولأن يعمروا ويقووا أحبّ إليَّ من أن يضعفوا، والسلام».
أبو قَتادَة الأنصاريّ
هو الحارث بن ربعيّ بن بَلْدَمَة، أبو قَتادة الأنصاري الخزرجي، وهو مشهور بكنيته، كان من الصحابة. شارك في معركة أُحُد وما بعدها من المعارك. وكان أحد الشجعان في جيش النبيّ صلّى الله عليه وآله حتى ذكره صلّى الله عليه وآله بأنّه من خيرة المقاتلين.
كان من صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، واشترك في جميع حروبه. قال في معركة الجمل قولاً يدلّ على إيمانه العميق ووفائه للإمام عليه السلام. وكان على الرجّالة في النهروان.
وولاّه الإمام عليه السلام على مكّة. توفّي أبو قتادة في أيّام خلافة الإمام عليه السلام.
قال ابن عبد البرّ في (الاستيعاب): «إنّ عليّاً لمّا وليَ الخلافة عزل خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي عن مكّة، وولاّها أبا قتادة الأنصاري.
وروى الطبري في (تاريخه) أنّ أبا قتادة قال لعليّ عليه السلام في حرب الجمل: «يا أمير المؤمنين! إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قلّدني هذا السيف وقد شِمْتُه فطال شَيمُه، وقد آن تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأُمّة غشّاً؛ فإن أحببتَ أن تُقَدّمني، فقدِّمني». والشّيم، إغمادُ السيف.
حُذَيْفَة بن اليَمان
حذيفة بن اليمان بن جابر، أبو عبد الله العبسيّ. كان من وجهاء الصحابة وأعيانهم. وقد أثنى عليه الرجاليّون وأصحاب التراجم بمزايا ذكروها في كُتبهم كقولهم: «كان من نجباء وكبار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله»، وقولهم: «صاحب سرّ النبيّ صلّى الله عليه وآله»، وقولهم: «وأعلم الناس بالمنافقين».
وأسرّ إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله أسماء المنافقين، وضُبط عنه الفتن الكائنة في الأُمّة إلى قيام الساعة.
لم يشهد بدراً، وشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد. كان أحد الذين ثبتوا على العقيدة. لم يصبر على تغيير «حقّ الخلافة» و «خلافة الحقّ» بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ووقف إلى جانب عليّ عليه السلام بخطىً ثابتة.
كان حذيفة ممّن شهد جنازة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وصلّى على جثمانها الطاهر، خلف أمير المؤمنين عليه السلام.
وليَ المدائن في عهد عمر وعثمان. وكان مريضاً في ابتداء خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. مع هذا كلّه لم يُطِق السكوت عن مناقبه وفضائله صلوات الله عليه، فصعد المنبر بجسمه العليل، وأثنى عليه وأبلغ الثناء، وذكره بقوله: «فوالله إنّه لعلى الحقّ آخراً وأوّلاً»، وقوله: «إنّه لخير من مضى بعد نبيّكم». وأخذ له البيعة، وهو نفسه بايعه أيضاً. وأوصى أولاده مؤكّداً ألاّ يقصّروا في اتّباعه والسير وراءه، وقال لهم: «فإنّه والله على الحقّ، ومَن خالفه على الباطل». ثمّ توفّي بعد سبعة أيّام مضت على ذلك. وقيل: توفّي بعد أربعين يوماً.
قال المسعودي في (مروج الذهب): «كان حذيفة عليلاً بالكوفة في سنة ستّ وثلاثين، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعليّ، فقال: أخرجوني وادعوا الصلاةَ جامعة، فوُضِع على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ وعلى آله، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّ الناس قد بايعوا عليّاً؛ فعليكم بتقوى الله، وانصروا عليّاً ووازِروه، فوَاللهِ إنّه لعلى الحقّ آخراً وأوّلاً، وإنّه لَخيرُ مَن مضى بعد نبيّكم ومَن بقيَ إلى يوم القيامة. ثمّ أطبق يمينه على يساره ثمّ قال: اللّهمّ اشهد، إنّي قد بايعت عليّاً. وقال: الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنَيه صفوان وسعد: احملاني، وكونا معه؛ فستكون له حروبٌ كثيرة، فيهلك فيها خلق من الناس، فاجتهدا أن تُستشهدا معه؛ فإنّه والله على الحقّ، ومنَ خالفه على الباطل.
ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيّام».
المنن السابغة
عمل الاستفتاح، أو عمل أم داود
من أهمّ عبادات اليوم الخامس عشر، عمل «أمّ داود»، وهو بالغُ الأهمّية، ينتظرُه مَن يعرفُه من شهرٍ إلى شهر، حيث إنَّه وإنْ كان في الأصل يؤدَّى في منتصف رجب، ولكن وردت الرُّخصةُ في الإتيان به في كلّ شهر.
قال الشّيخ الطّوسيّ: «ويُستحَبّ أن يدعو بدعاء أم داود». وقال السّيّد ابن طاوس، حول دعاء الاستفتاح الذي يُقرَأ في سياق العمل: «وهو دعاءٌ جليلٌ مشهورٌ بين أهل الرّوايات، وقد صار موسماً عظيماً في يوم النّصف من رجب، معروفاً بالإجابات وتفريج الكُرُبات».
وفي (المراقبات) للملكي التبريزي: «وإن وُفِّقَ لدُعاء الاستفتاح مع الشّرائط فهو، وإلّا، لا يَترك لا محالةَ الدّعاءَ نفسَه، ويزورُ الإمام الحسينَ عليه السّلام».
إذاً مَن عجِز عن العمل بكامل خصوصيّاته، فلا أقلّ من الاهتمام بدعائه، فإنّ له وحده كذلك أهمّية خاصة. وتفصيل هذا العمل المروي عن الإمام الصّادق عليه السّلام تجده في كُتب الأدعية والعبادات، لا سيّما في (مفاتيح الجنان).
(الشيخ حسين كوراني، مختصر مناهل الرجاء: ص 71)