مَن أنكر حديثها فلا مسكة له من العلم
«ردّ الشمس» لأمير المؤمنين عليه السلام
ورد في زيارة أمير المؤمنين في يوم مولد رسول الله صلّى الله عليه وآله، والمروية عن الإمام الصادق عليه السلام: «السّلامُ عَلَيكَ يا مَنْ رُدَّتْ لَهُ الشَّمْسُ فَسامَى شَمْعُونَ الصّفا..».
من مناقب أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، والتي أطبق علماء المسلمين على ثبوتها له خاصّة دون غيره في هذه الأمة المرحومة، «ردُّ الشمس» له بعد غيابها مرّتين؛ مرّة بالعوالي من المدينة المنوّرة في حياة رسول الله، والثانية في أرض بابل من العراق بعد وفاته صلّى الله عليه وآله.
يتناول هذا التحقيق المقتبس عن الموقع الإلكتروني «للمكتبة الحيدرية»، منقبة «ردّ الشمس» لأمير المؤمنين عليه السلام، كما وردت في المصادر التاريخية والمصنّفات الروائية لدى الفريقين.
«شعائر»
عن عمّار بن موسى، قال: «دخلت أنا وأبو عبد الله الصادق عليه السلام مسجد الفضيخ، فقال: يا عمّار، ترى هذه الوهدة؟
قلت: نعم، قال: كانت امرأة جعفر (أسماء بنت عميس) التي خلف عليها أمير المؤمنين عليه السلام، قاعدة في هذا الموضع ومعها ابناها من جعفر فبكت، فقال لها ابناها: ما يُبكيك يا أُمَّه؟
قالت: ...ذكرتُ حديثاً حدّثني به أمير المؤمنين عليه السلام، في هذا الموضع فأبكاني.
قالا: وما هو؟ قالت: كنت أنا وأمير المؤمنين في هذا المسجد، فقال لي: ترين هذه الوهدة؟ قلت: نعم.
كنتُ أنا ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قاعدين فيها إذ وضع رأسه في حِجري، ثمّ خفق حتى غطّ، وحضرت صلاة العصر فكرهتُ أن أحرّك رأسه عن فخذي فأكون قد آذيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حتى ذهب الوقت وفاتت، فانتبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا عليّ، صليت؟ قلت: لا، قال: ولمَ ذلك؟
قلت: كرهتُ أن أوذيكَ، قال: فقام واستقبل القبلة ومدّ يديه كلتيهما، وقال: اللّهمّ ردّ الشمس إلى وقتها حتى يصلّي عليّ، فرجعَت الشمسُ إلى وقت الصلاة حتّى صلّيتُ العصر، ثمّ انقضّت انقضاض الكوكب».
رُدّت الشمس لعليٍّ عليه السلام مرّتين
تؤكّد النصوص الروائية والتاريخية أن الشمس رُدّت لأمير المؤمنين صلوات الله عليه مرّتين؛ الأولى: في حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بكراع الغميم، والثانية: بعد وفاته ببابل. وفي (خرائج) الراوندي، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال، في آخر حديث أسماء الآتي: «يا عليّ، أما إنها ستُردّ عليك بعدي حجّةً على أهل خلافك».
وقال الشيخ كاشف الغطاء: «وروي أنها تكررت ستين مرّة».
وفي تاريخ وقوعها بدعاء النبيّ، أقوال يجمعها أنها في شوّال، في الموضع المعروف اليوم باسم مسجد الفضيخ.
* أمّا في أيامه صلّى الله عليه وآله وسلّم
ففيما روته أمّ سلَمة، وأسماء بنت عميس، وجابر الأنصاريّ، وأبو ذرّ، وابن عباس، والخدريّ، وأبو هريرة.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، صلّى بكراع الغميم، فلمّا سلّم نزل عليه الوحي وجاء عليّ عليه السلام وهو على ذلك الحال، فأسنده إلى ظهره، فلم يزل على تلك الحال حتّى غابت الشمس، والقرآن ينزل على النبيّ، فلمّا تمّ الوحي، قال: يا عليّ، صلّيتَ؟
قال: لا، وقصّ عليه، فقال: ادعُ ليردّ اللهُ عليك الشمس، فسأل اللهَ فرُدّت عليه بيضاء نقيّة».
ومن حديث أسماء بنت عميس أنّها قالت: «بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، نائم ذات يوم ورأسه في حِجر عليّ عليه السلام، ففاتته العصر حتى غابت الشمس فقال: اللهمّ إنّ عليّاً كان في طاعتِك وطاعةِ رسولك فاردُد عليه الشمس».
قالت أسماء: «فرأيتُها والله غربت ثمّ طلعت بعدما غربت، ولم يبقَ جبلٌ ولا أرضٌ إلا طلعت عليه حتّى قام عليّ عليه السلام، فتوضّأ وصلّى ثمّ غربت».
* وأمّا بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:
روي عن جويرية بن مسهر أنّه قال: «أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، من قتال الخوارج حتّى إذا قطعنا في أرض بابل (موضع بالعراق قرب الحلّة) حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس، فقال عليّ عليه السلام: أيُّها الناس، إنّ هذه أرضٌ ملعونة، قد عُذِّبت في الدهر ثلاث مرات، وهي إحدى المؤتفكات (مدائن قوم لوط أهلكها الله بالخسف) وهي أوّل أرضٍ عُبد فيها وثنٌ، وإنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها، فمَن أراد منكم أن يصلّي فليصلِّ.
فمال الناس عن جنبَي الطريق يصلّون، وركب هو عليه السلام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومضى.
قال جويرية فقلت: واللهِ لأتبعنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام ولأقلّدنه صلاتي اليوم، فمضيتُ خلفه فوالله ما جزنا جسر سوراء (بلدة بأرض بابل) حتى غابت الشمس فشككتُ، فالتفت إليَّ، وقال: يا جويرية، أشككت؟
فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل عليه السلام عن ناحية فتوضّأ، ثمّ قام فنطق بكلامٍ لا أحسنه إلّا كأنّه بالعبرانيّ، ثمّ نادى الصلاة، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلَين، لها صرير، فصلّى العصر وصلّيت معه، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليّ وقال: يا جويرية بن مسهر، الله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ﴾ وإنّي سألتُ الله عزّ وجلّ باسمِه العظيم فردّ عليَّ الشمس».
وروي أنّ جويرية لمّا رأى ذلك قال: «أنت وصيّ نبيٍّ وربِّ الكعبة».
حديث «ردّ الشمس» عند السنّة
استقصى المرجع الديني الراحل السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في (شرح إحقاق الحق: ج 5، الباب السابع عشر) جميع الأخبار المروية في كتب المسلمين السنّة حول معجزة ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام، مع تخريج مصادرها في المصنفات المذكورة، وجعلها على قسمين: ما رُوي في وقوعها أيام حياته صلّى الله عليه وآله وسلّم، والثاني بأرض بابل عودة أمير المؤمنين عليه السلام من النهروان.
* في رواية أبي جعفر الطحاوي أنّ النبيّ قال: «(اللّهمّ إنَّ عليّاً كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردُد عليه الشمس)، فرُدّت، فقام عليّ وصلّى، فلمّا فرغ من صلاته وقعتِ الشمس وبدر الكواكب».
وحديث رد الشمس أخرجه الطحاوي في (مشكل الآثار) من حديث أسماء بنت عميس من طريقين.
وعن الطحاوي أنه قال ما معناه: «لا يُنكر حديث ردّ الشمس مَن كان له أدنى مسكة من علم».
وقال القاضي عياض في (الشفا): «وخرّج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أنّه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، كان يوحى إليه ورأسه في حِجر عليّ، فلم يصلِّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: (أصلّيتَ يا عليّ؟ فقال: لا، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: اللّهمّ إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردُد عليه الشمس)، قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثمّ رأيتها طلعت ووقفت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء».
قال: «وهذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات، وحكى الطحاوي عن أحمد بن صالح، كان يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء، لأنّه من علامات النبوّة».
وقال الخفاجي المصري في (شرح الشفا): «واعترض عليه بعض الشرّاح، وقال: إنّه موضوع ورجاله مطعونٌ فيهم كذّابون ووضاعون، ولم يدر أنّ الحق خلافه، والذي غرّه كلام ابن الجوزي ولم يقفْ على أنّ كتابه أكثره مردود، وقد قال خاتمة الحفّاظ السيوطي وكذا السخاوي أنّ ابن الجوزي في (موضوعاته) تحامل تحاملاً كثيراً حتى أدرج فيه كثيراً من الأحاديث الصحيحة... وهذا الحديث صحّحه المصنّف رحمه الله تعالى. وأشار إلى أنّ تعدُّد طُرقه شاهد صدق على صحّته، وقد صحّحه قبله كثير من الأئمّة كالطحاوي، وأخرجه ابن شاهين، وابن مندة، وابن مردويه، والطبراني في (معجمه)، وقال: إنّه حسن...».
مسجد الفَضيخ
الفَضْخ: كسْرُ الشيء الأجوف، ومنه: فضخت رأسه بالحجارة. وهو اسم مسجد من مساجد المدينة، رُدّت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام. ويعرف اليوم بـ«مسجد الشمس»، وهو شرقي «مسجد قبا».
والفضيخ: شراب يتّخذ من البِسر وحده من غير أن تمسّه النار. وفي تسمية المسجد أقوال: منها أن نفراً من المسلمين أهرقوا الخمر بذلك الموضع لمّا نزلت آية تحريمه، أو أنه محاطٌ ببساتين النخيل، والبِسرُ هو التمرُ قبل إرطابه. وقد يُقال له «مسجد بني النضير»، لصلاة النبيّ صلّى الله عليه وآله بذلك الموضع، في طريقه لقتالهم.
لم يبقَ من «مسجد الفضيخ» في يومنا هذا غير أطلاله، حيث عمدت السلطات السعودية إلى هدمه سنة 2004م. وأما المسجد المعروف اليوم بـ«مسجد الشمس» فغيره، إنما هو المكان الذي صلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله في طريقه إلى قتال اليهود من «بني قريظة».
المؤلفات في «ردّ الشمس»
في كتابه (كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس)، أورد المحقّق الشيخ محمد باقر المحمودي أسماء الكتب التي دوّنت الحادثة، منها:
- السيوطي في (الخصائص: ج2 ص82). وله رسالة أسماها: (كشف اللّبس عن حديث رد الشمس).
- الخوارزمي في (المناقب: ص 236 الفصل 19).
- الثعلبي في (قصص الأنبياء: ص 340).
- ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان: ج 5 ص 139)، وقد صحّح الحديث.
- البيهقي في (دلائل النبوة) -كما في (فتح الباري: ج 6، ص 168).
- الحافظ الذهبي في ترجمة (عمار بن مطر) في (ميزان الاعتدال: ج 2، ص 244).
- الحموي في (فرائد السمطين: ج 1، ص 183، في السمط الأول).
- ابن عساكر في ترجمة (فاطمة بنت الإمام عليّ) في (تاريخ مدينة دمشق) كما ذكره الشيخ المحمودي في تلخيصه لترجمة الإمام عليّ من التاريخ المذكور: ج 2، الحديث 814 .
- علي بن عبدالله السمهودي في (وفاء الوفا: ج 2، ص 33، الباب 5، الفصل 3)، وفي طبعةٍ أخرى: ج 3، ص 822 . وأورد الحديث في (جواهر العقدين: ج 3، ص 481)، طبع بغداد.
- الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب: ج 32، ص 126)، في ذيل تفسير سورة الكوثر.
- رسالة لشمس الدين محمّد بن يوسف الصالحي الشامي أسماها: (مزيل اللّبس عن حديث رد الشمس).