«كلمة الله التامّة»
في محراب الخصائص المهدوية
-
المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني
خصائص ومميّزات للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف تُفصح عن المقام السامي الذي حباه به المولى تبارك وتعالى، إنفاذاً لحكمه وإظهاراً لإرادته ومشيّته.
تكشف عن هذه الخصائص النصوص الروائية من أحاديث وأدعية وزيارات، وقد سطّرها، بعد أن أعمل فيها نظرَه الدقيق، المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني، في الجزء الأول من رسالته العملية (منهاج الصالحين).
«شعائر»
إنّ للنبيّ خصوصية؛ وهي كونه صلّى الله عليه وآله وسلّم خاتَم الأنبياء، كما أنّ للمهديّ عليه السلام خصوصية وهي كونه خاتم الأوصياء. وكما أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فاتح الدين، فالمهديّ عليه السلام خاتمه، وقد دلّت على هذا الأمر روايات العامّة والخاصّة: «المهديّ منّا، يُختَم الدين بنا كما فُتح بنا»، «بكم فتح الله وبكم يختِم».
ولهذا، ظهرت فيه عليه السلام، الخصوصيّات الجسمية والروحية والاسمية للخاتَم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
إنّ افتتاح الدين واختتامه بـ«أبي القاسم محمّد»، كنيةً واسماً وصورةً وسيرة، مع تعدّد الشخص بخاتم النبيّين وخاتم الوصيّين، يحكي عند أهل النظر، عن مقام ومنزلة سامية فوق الإدراك والبيان.
ونذكر بعض الروايات الواردة في هذا الخصوص:
* في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: المهديّ من وُلدي، اسمُه اسمي، وكُنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غَيبةٌ وحَيرة، حتى تضلّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يُقبل كالشّهاب الثاقب فيَملؤها قِسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً».
* وفي الصحيح عنه عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَن أنكرَ القائمَ من وُلدي فقد أَنكَرني».
ظهوره عليه السلام من عند الكعبة
روى العامّة والخاصّة أنّه عليه السلام، يخرج من عند الكعبة وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره. وبما أنّ جبرئيل هو الواسطة في إفاضة العلوم والمعارف الإلهية والحوائج المعنوية، وميكائيل هو الواسطة في إفاضة الأرزاق والحوائج المادّية، فتكون مفاتيح خزائن العلوم والأرزاق كلّها بيده عليه السلام.
ويظهر كأنّه الكوكب الدرّي. وله هيبة موسى، وبهاء عيسى، وحكم داود، وصبر أيوب عليهم السلام. وعليه جيوب النور تتوقّد من شُعاع ضياء القدس.
ظهوره عليه السلام في يوم عاشوراء
يظهر الإمام المهديّ عليه السلام في يوم عاشوراء، اليومِ الذي قُتل فيه جدّه سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، وبذلك يظهر تفسير قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، وتثمر الشجرة المباركة التي سُقيت بذلك الدم الطاهر، ويتجلّى أعلى مصاديق الآية الكريمة: ﴿..وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا..﴾. الصف:8 ؛ الإسراء:33.
هو كلمة الله التامّة
قد ورد في الدعاء بعد زيارة آل يس «وَكَلِمَتِكَ التّامَّةِ في أرضِكَ»، فإنْ كان عيسى بن مريم، الذي هو من أولي العزم من الرسل، كلمةً من الله، فالمهديُّ عليه السلام هو الكلمة التامة لله تبارك وتعالى.
ويُعلم من قوله سبحانه: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، أنّ الوصول إلى «كلمة الله التامة» لا يمكن إلّا بالوصول إلى نهاية الصدق الذي هو منتهى الحكمة النظرية، وإلى نهاية العدل الذي هو منتهى الحكمة العملية، فهو الذي وصل إلى نهاية الصدق والعدل. الأنعام:115
عمود او علبة عرضية
السبيل إلى الإمام: التزكية والاضطرار
لا شك أنّ غَيبة إمام العصر والزمان صلوات الله عليه خسارة كبيرة للأُمّة وللعالم، وأنّ البشرية قد حُرمت من قسم كبير من البركات المتوقّفة على حضوره، ولكن قسماً منها لا يتوقّف على ذلك، فإنّه صلوات الله عليه، كالشمس لا يمكن للغَيبة أن تمنع تأثير أشعّتها في قلوب المؤمنين النقيّة، كما تنفذ أشعّة الشمس في باطن الأرض وتغذّي الجواهر النفيسة وتنمّيها، ولا تستطيع الصخور ولا طبقات الأرض أن تمنع استفادتها من أشعّتها. وكما أنّ الاستفادة من الألطاف الخاصّة الإلهية لها طريقان:
الأوّل: الجهاد في الله، بتصفية النفس من الكدورات المانعة من انعكاس نور عنايته.
والثاني: الاضطرار، فإنّه يرفع الحجاب بين الفطرة ومبدأ الفيض عزّ وجلّ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..﴾.
فكذلك الاستفادة من الإمام عليه السلام الذي هو الواسطة للفيض الإلهي، تتيسّر بطريقين:
الأوّل: التزكية فكراً وخُلقاً وعملاً، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وعن الصادق عليه السلام: «أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا يُنال إلاّ بالورع».
الثاني: الاضطرار والانقطاع عن الأسباب المادّية. وكم من المضطرّين الذين تقطّعت بهم السُبل، توسّلوا إلى الله تعالى بغوث الورى، واستغاثوا به، فاستجاب الله لهم.
ففي عصر الغَيبة، الذي هو أيام احتجاب تلك الشمس المشرقة، فإنّ الاستفادة من حضرته نظير الاستضاءة من الشمس عندما تكون خلف السحاب.. فيلزم أن تُستهلّ المجالس وتُستفتح المحافل بزيارة «آل يس» المأمور بها من الناحية المقدسة، وأن يقرأ صبيحة كلّ يوم بعد صلاة الصبح «دعاء العهد» تجديداً للعهد والميثاق مع وليّ الأمر عجّل الله فرجه الشريف.
(انظر: مقدّمة في أصول الدين للمرجع الخراساني )