الأخلاق بلسَمُ جراح البشرية
هكذا تكلّم شيخ شهداء المقاومة الإسلامية
الرؤية الموضوعية حصيلة استحضار الآخرة في يوميّاتنا
ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ
أيّاً سألتَ عن الشيخ راغب حرب، فإنّ الجواب: «هو شيخ شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان، ذلك الذي قام لله تعالى على خُطى الأنبياء والصدّيقين والشهداء، رافعاً راية ثورة المستضعفين التي فجّرها الإمام الخميني المقدّس في وجه مستكبري العصر»... وهو جواب يعبّر عن واقع ذلك العالِم الشابّ المجاهد الذي نهل من نبع الإسلام الصافي وحمل رسالتَه بقلب ملؤه الإخلاص والطهارة، وكلّ خصال الصالحين.
اخترنا في باب حوارات من هذا العدد أن نطلّ على أبعاد لا يعرفها الأكثرون من شخصية الشيخ الشهيد، تتمثّل في أفكاره ورؤاه حول قضايا الإيمان والحياة، مستفيدين في ذلك من الإصدار القيّم لـ«جمعية إحياء التراث المقاوم»، «الكلمات القصار، منتخبات من كلام شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب»، حيث عرضنا لبعض تلك الرؤى بأسلوب السؤال والجواب.
«شعائر»
س: ما الذي حدا بكم لاختيار خط التبليغ الديني؟
ج: إذا مررتَ بشخص يُشرف على الهلاك وكنتَ قادراً على تخليصه وقد رفع الصوت مستغيثاً بك ثمّ لم تنقذه؛ ألا تُعتبر شريكاً في موته، وهكذا هي حال الهداية من الضلال، وإلّا فما معنى قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم»؟
وما معنى قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن سمع منادياً ينادي: يا لَلمسلمين. فلم يُجبه فليس منهم»؟
وما معنى قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ما آمنَ بالله واليوم الآخر مَن بات شبعاناً وجاره جائع»؟
س: ما المسوّغ لتدخّل رجال الدين والحديث في القضايا السياسية؟
ج: إذا كنّا نتحدّث بعض الأحيان عن بعض الشؤون السياسية، أو عن بعض شؤون المجتمع، فهدفنا أن نُسقط عنّا التكليف، حتّى لا يأتي يوم القيامة ويقال لنا: أنتم ملعونون.
يجب أن نضع العلامة الحمراء على كلّ انحراف ولو كان بسيطاً، لأنّ السكوت عليه وهو بُرعم صغير يؤدّي إلى أن يكبر .. وإنّ المزارع لا يسمح للبرعم البرّي بأن يكبر لأنّه إذا كبُر فمعنى ذلك أنّه سيقضي على الزرع الأصيل.
س: ما هي الحياة التي دعانا إليها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في قوله تعالى: ﴿..اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..﴾؟
ج: إنّ كلّ ما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو جزء من منهاج الحياة الكريمة العزيزة التي يحبّها الله تعالى لعباده المؤمنين والمتّقين، وإنّ المناهج الأخرى على اختلافها هي مناهج الموت والاضمحلال.
إنّ الاستجابة لله والرسول ليست تكرّماً عليه من البشر، وإنّما هي عمل له مردودٌ إيجابيّ على الناس في الدنيا، وله مردود إيجابيّ على الحياة الأخرى.
فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يدعو الناس إلى أمر لا مصلحة لهم فيه، وإنّما جاء من عند ربّه بشيراً ونذيراً يحمل للعالم منهاج حياة كريمة، وينير للعالم طريقاً أو قل صراطاً مستقيماً يُخرجهم من الظلمات إلى النور.
والمعنى أن الرسول الأعظم لا يدعوكم –يا أيها الناس- إلى أمر خاصّ به ولا إلى أمر غريب عنكم، وإنّما يدعوكم لما يُحييكم، إنّ دعوته إلى الزكاة تُحييكم، ودعوته إلى ترك الربا تحييكم، ودعوته إلى الجهاد تحييكم، ودعوته إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحييكم، ودعوته إلى إقامة الصلاة تحييكم، ودعوته إلى ترك الباطل واللغو والجاهلية هي دعوة لحياتكم.
س: ما المقصود بأنّ كلمات الله تعالى لا تنفد؟
ج: ليس المقصود بذلك أنّ عدد الكلمات التي في كتاب الله غير متناهية، وإنّما المقصود هو أنّه لا ينتهي عن كونه مصدراً للعلم، ومصدراً للتشريع، ومصدراً للكشف عن الكثير من حقائق الحياة. فمثله كمثل البحر وكلّ شخص يذهب إليه من أجل أن يغترف منه فإنّه يغترف على قدره وليس على قدر البحر.
يوجد في هذا القرآن .. كلّ شيء؛ فيه أحكام حياتكم ودستور علاقاتكم وبيان مفصّل عن آخرتكم، وتوضيح عن طريقة دنياكم، وذكرٌ للذين كانوا قبلكم ممّن فازوا أو خسروا.
س: لماذا برأيكم يتحدّث القرآن الكريم كثيراً عن الآخرة؟
ج: عندما يدفع القرآن الناس إلى التفكير بالآخرة قبل التفكير بالدنيا فهو يريد إبعاد المؤمنين عن قِصَر النظر وضيق الأفق وعدم وضوح الرؤية، ويريد إبعادنا عن وضعية أهل الدنيا الذين لا يرون الآخرة مع دنياهم فيخسرون آخرتهم ولا يُفلحون في دنياهم.
يريد المنهج القرآنيّ أن يفتح لعقول الناس باباً يرَون من خلاله المستقبل الطويل الذي يتجاوز الحياة الدنيا، لينظر الإنسان بنظرة واحدة وبنسق واحد وبخطّ واحد إلى حياته التي لا نهاية لها ولا فناء لها إلّا بأمر الله وقوّته وإرادته.
إنّ كلّ مشاكلنا تنبع من أنّ الآخرة بعيدة عن حياتنا، نذكرها إنْ ذكّرنا بها الخطيب في صلاة الجمعة فنستغفر الله، ونذكرها إن مشَينا في جنازة أو سمعنا تلاوة كتاب الله، ولكن كم عدد هؤلاء الذين يذكرون الآخرة في كلّ عمل؟
يصف القرآن الكريم هذا اليوم من أجل أن يكون ماثلاً أمام أعيننا، وإذا ما تمّ ذلك فأنا واثق من أنّنا سنرى كلّ شيء مختلفاً من خلاله، بخلاف الذين لا يرون اليوم الآخر فهم يرون كلّ الأشياء الصغيرة عظيمة.
س: ما هي أهمّية الأخلاق الحسنة في حياة الإنسان؟
ج: إنّ الأخلاق الكريمة هي التي تجعل من الإنسان إنساناً، وهي أساس تضميد الجروح البشرية، فلو جمَع الإنسانُ الخالي من الأخلاق جميع أموال البشر، أو أصبح عالماً كبيراً فإنّه يبقى وضيعاً، بل يكون مصداقاً للشرّ.
الأخلاق هي الأساس، وهي التي يمكن أن تُبنى عليها سعادة الإنسان وكرامته، وهذا ما جعل الله تعالى يصف رسوله بالأخلاق الكريمة.
.. يجب أن يحافظ الإنسان على الذوق الرفيع في جميع حركاته وسكناته، وإلّا فإنّه لا قيمة لحياته، وربما كان الحيوان أفضل منه.
س: لم يدعُ الإسلامُ لشيء كما دعا لتقوى الله عزّ وجلّ، فلماذا برايكم؟
ج: إنّ التقوى هي الباب الذي إنْ وُفّقنا لدخوله لاستطعنا أن نحصل على كلّ ما نحبّ لأنفسنا وما يحبّ اللهُ لنا في الدنيا والآخرة، وهي كلمة يلخَّص بها الإسلام والإيمان، وهي سرّ من أسرار الحياة والكرامة، وسرّ من أسرار النصر والعزّة، فيها نستطيع أن نمتنع ونتحصّن، وبها نستطيع أن نعتصم من الفُرقة، فهي التي توحّد.
أينما وجدتم تمزّقاً فاعلموا أنّه ليس هنالك تقوى.
التقوى هي ميزان للدخول في ولاية أهل البيت عليهم السلام، فإذا أردتم أن تكونوا من أنصارهم فكونوا أتقياء، وإذا أردتم أن تكونوا ممّن يفوز معهم في الدنيا والآخرة فكونوا أتقياء.
مَن حقّق أدنى مراتب التقوى حقّق شرطاً هامّاً من شروط قبول العمل، وهذا أمر قلّما يلتفت إليه كثير من الناس، فلا يمكن أن يتقبّل الله عملاً بدون تقوى.
التقوى خير روح، وخير محرّك، وخير باعث، وخير فاعل، فهي زينة أهل الجنّة وزينة النبيّين والصدّيقين، وهي خير زاد.
س: من أين يمكن للإنسان الحصول على العزيمة؟
ج: الجدّ في خشية الله تعالى هي التي تجعل من عزيمة الإنسان ماضية في طاعة الله، وإذا قويت عزيمة الإنسان في طاعة الله فلا يمكن أن يضعف بدنه أبداً.
س: ما هي إيجابيات ارتبط المسلم بالجماعة التي تشاركه العقيدة والتطلّعات؟
ج: الجماعة المسلمة هو الأمر الذي ينبغي أن نسعى لتحقيقه وجوداً وعملاً وفعّالية. نستطيع أن نتلمّس روح الجماعة في أغلب آيات الكتاب الكريم، وفي نصوص السنّة الشريفة، فقد أمر الله بالصلاة ليكون المسلم على صِلة دائمة به، ولكنّه يحبّ أن يكون الاتّصال جماعياً .. ينبغي أن تكون الجماعة المسلمة القلبَ والفاعل المحرّك بشكل إيجابيّ في كلّ الاتجاهات ..
عندما أحاول أن أحقّق مرضاة الله وحدي فإنّني قد أوفّق وقد لا أوفّق، وأمّا عندما نحاول كمجموعة أن نصل إلى مرضاة الله فسوف يكون نصيبنا من التوفيق كبير، وحظّنا من النجاح أوفر.
الجماعة تُصلح سريرة الأمة، وتحقّق تماسك الأفراد في الأرض.
س: كيف نهيّئ أنفسنا لظهور الإمام المهديّ عليه السلام؟
ج: لا تقتصر المسألة على مجرّد أن نهيّئ سيفاً وفرساً كما يقولون، ولا يُعدّ ذلك مشكلة، وإنّما تحتاج إلى الفارس الذي يملك القلب المملوء بحبّ الله، ويملك اليد التي لا تتحرّك إلّا بأمر الله، ويملك اللسان الذي لا ينطق إلّا بالهدى، ويملك الأذن التي لا تلتقط إلّا الهدى أيضاً.