الحكّام العملاء
«بعض فصائل حركة التحرّر الوطني والإسلامي تعاني من ضبابية الرؤية، أو ضيق ذات اليد في الحنين إلى الشهادة، أو الوفرة المفرطة في الحنين إلى الجاه»!
من كتاب (الإمام الخميني والاستعمار - جذرية الرؤية)، للشيخ حسين كوراني هذا «الموقف» من الحكّام في العالَمين العربي والإسلامي.
«شعائر»
أحد أهمّ المفاصل في العمل الثوري، تحديد الموقف من الحاكم بموضوعية وتجرّد، فإمّا أن يكون وطنياً، فيتمّ التعامل معه على هذا الأساس، وإمّا أن يكون تابعاً عميلاً، فلا مجال للتلاقي معه.
وتجارب شعوبنا في هذا القرن مع الحكاّم غنية جداً، وهي تكشف -للأسف- أنّ الحكّام الوطنيين كانوا وما يزالون الاستثناء، لا القاعدة.
ويكمن مقتل العمل الثوري في ضبابية التصوّر والممارسة، فإذا بلغ الأمر حدّ التبرير للمواقف الانهزامية والخيانية -وتحت أيّ عنوان يفترض- فإنّ ذلك يعني ببساطة التحوّل من موقع العمل التغييري الثوري، إلى موقع اللعبة السياسية التي يمسك العدوّ بكلّ خيوطها، ومنها تلك التي يوهم هذا الفصيل أو ذاك أنّه هو الذي يحرّكها.
ثمّة مساحة من حركة المستعمِر، لا غنى له فيها عن السواتر، وتمتدّ هذه المساحة لتشمل كلّ المجالات، إلّا أنّ أهمّها بالتأكيد إضفاء الصبغة الوطنية على ممارساته، المباشر منها، أو ما يعهد به إلى الأنظمة الطيّعة.
ولا ساتر يفوق اندفاع بعض فصائل حركة التحرّر الوطني والإسلامي التي تعاني من ضبابية الرؤية، أو ضيق ذات اليد في الحنين إلى الشهادة، أو الوفرة المفرطة في الحنين إلى الجاه! فيحملها ذلك إلى خندق المستعمر، وهي تحسب أنّها تحسن صنعاً! واليقين بخطورة النتائج، يُغني عن تقويم الدوافع والمنطلقات التي يعسر فيها اليقين.
ومذ قال كلمته الأولى، كان الإمام الخميني بصيراً بالحكّام في الدول الإسلامية، وأنهم ليسوا حكّامها، إلّا أنّه اعتمد النصيحة -حتى للشاه، رغم معرفته بشدّة وثاقه الاستعماري- الأمر الذي يرسي مبدأ في التعامل مع الحاكم المرتبط، هو النصح أولاً؛ تقدمةً للحجّة.
غير أنّ روح النصح الحذرة، لا تضعف أمام التظاهر بالإصغاء، ولا يستخفّها الإطراء، فضلاً عن أن تُخدع بالوعود، أو تتّخذ المساومة سلّماً إلى المواقع، وسنرى أنّ قاطعية الإمام في هذا المضمار لم تحمله إلى التعميم.
يقول الإمام: «كثيرٌ من حكومات الدول الإسلامية، ونتيجة استلاب الهوية أو العمالة، ينفّذون مخطّطات أعداء الإسلام الخيانية والمشؤومة».
إلّا أنّ ندرة المُستثنى تجعل نصّ الإمام في الغالب متّصفاً بالشمول، فيقول مثلاً: «الأعداء يستعمرون الحكّام، والحكّام يذلّون الشعوب». ...
ويحمّل الحكّام تبعة تخلّف العالم الإسلامي وكلّ مصائبه، فيقول: «مصائبنا من حكّام المسلمين، هؤلاء الرؤساء المساكين الذين هم في غفلة عن مصلحتهم، ولا يريدون التنبّه لها، هم الذين تسبّبوا بالنكبة لشعوبهم، وأوصلوا المسلمين إلى هذا المصير السيّء».