ومِنْ يثربَ استدعى الجوادَ ومُذ أتى
|
له غِيلةً بين البرايا معظِّمُ
|
وكم لك يا ابنَ المصطفى بانَ مُعجِزٌ
|
به كلُّ أنفٍ من أعادِيك مُرغَمُ
|
أسرَّ امتحاناً صيدَ بازٍ بكفّهِ
|
فأخبرْتَه عمّا يُسِرُّ ويَكتُمُ
|
وأذعنَ لمّا اجتازَ في النهجِ قبلَ أن
|
يَشاهدَه فانصاعَ وهو مُسَلِّمُ
|
وأرشى العِدى يحيى بنُ أكثم خُفيةً
|
وظنّوا بما يأتِيه أنّك تُفحَمُ
|
فأخجلتَ يحيى في الجوابِ مبيّناً
|
عن الصَيدِ يُرديه امرؤٌ وهو مُحْرِمُ
|
وأنتَ أجبتَ السَّائلين مَسائلاً
|
ثلاثينَ ألفاً عالمٌ لا تُعلّمُ
|
وغاظ بني العباسِ تعظيمُ رجْسِهم
|
لشأنِكَ إجلالاً وأنت المعظَّمُ
|
وكم أبرموا أمراً فكادوا فكِدْتَهم
|
بنقضِكَ ما كادوكَ فيه وأبْرَموا
|
وصاهَرَك المأمونُ لمّا بدَتْ له
|
معاجزُك اللّاتي بها الناسُ سلّموا
|
ونصّ الرضا أنّ الجوادَ خليفتي
|
عليكمُ بأمرِ اللهِ يقضي ويَحكُمُ
|
هو ابنُ ثلاثٍ كلّم الناسَ هادياً
|
كما كانَ في المهدِ المسيحُ يُكلِّمُ
|
سَلوه يُجِبْكم وانظروا ختْمَ كَتْفِه
|
ففي كتَفه ختمُ الإمامةِ يُختمُ
|
وسِرتَ إلى كوفانَ والبيتِ عائداً
|
إلى الشّامِ لَمْحَ الطّرْفِ واللّيلُ مظلِمُ
|
رمَوا بالتنبّي عابداً صَحِبْتَه
|
مذِيعاً لذاك السِّترِ والسرُّ يُكتَمُ
|
وفي السجنِ ألقَوه وقد أحدَقوا به
|
فأخرجْتَهُ منهم كأنّهم عَمُوا
|
وعن سَيْر حمّادٍ نهيتَ فما انتهى
|
فأغرقَه وادٍ من السّيل مُفْعَمُ
|
وما كفَّ ذو (العُثنون) لمّا انتهرتَه
|
فَشُلّ نكالاً منه كفٌّ ومِعْصمُ
|
ويومَ أسرَّ الهاشميّ أوامَه
|
استبانَ له بالغيبِ أنّك تعلَمُ
|
ويومَ عليك الشَّاهدانِ نَجو ما
|
قد افتريا بالرجْفَ أعداك أُرْغمُوا
|
وقال أَلِمَّنِي الجمّالَ منك ولم يكنْ
|
أبو هاشمٍ في أمرِه يتكلّمُ
|
وليلاً أبو الصّلتِ استغاثَ بسِجنه
|
فأخرجْتَه والسجنُ بالجُندِ مُفْعَمُ
|
وفي مَهدِك الأعمى بَصيراً أَعدْتَهُ
|
فخرَّ على رِجليْكَ يبكي وَيَلْثِمُ
|
لِعافٍ أحلْتَ التُربَ تِبراً تكرّماً
|
وفضلاً وأنت الفضلُ المتكرّمُ
|
أقرّ لك الزيديّ بالسّحرِ إنّما
|
وِلاكَ من الباري عليه مُحَتّمُ
|
وصَرْفكَ شكَّ ابنِ الوليدِ ورَدّكَ
|
الدّراهمَ إعجازٌ له والتَبسُّمُ
|
وأنتَ أمرتَ المَيْتَ أن يُعلِمَ ابنَه
|
بأموالِه في النّومِ إذ ليسَ يَعلمُ
|
ولمّا استَحى يَحيى فأخفى سؤالَه
|
أمرتَ العصا في سُؤله تتكلّمُ
|
وسؤالُك إيّاه فما حُكمُ قَينةٍ
|
تَحِلُّ مِراراً في النّهار وتُحرَمُ
|
فلم يستطعْ يحيى جواباً ولم يُطِقْ
|
كلاماً ولو أنّ البرايا لَهُ فمُ
|
أَسَرَّ ابنُ سهلٍ منك يسألُ كِسوةً
|
فجُدتَ ولم يسألْ وهذا التكرُّمُ
|
وكم أبكمٍ أعمَى أصمّ شفَيْتَه
|
فما بالُ أقوامٍ على الخُلْفِ صَمَّموا
|
زَهَتْ بوضوءٍ منك أغصانُ سِدرةٍ
|
وقد أطعمتْ في الحالِ ما ليسَ يُطعمُ
|
ويومَ طويتَ الأرضَ من يثربٍ إلى
|
أبيكَ بطوسٍ والمدامِعُ تُسجمُ
|
ووافيتَه ملقًى يجودُ بنفسِه
|
يجرَعُ كاساتِ الرّدى وهي عَلقمُ
|
فضَمّكَ شوقاً باكياً حين جئتَه
|
إلى صدرِه الزاكي ودمْعُكُما دَمُ
|
ومِن أمْرهِ لمّا فرغتَ بيومِه
|
رجَعتَ وقد أعلمتَ ما ليس يُعلمُ
|
فطوسٌ لكم والكَرخُ شجْواً وكربلا
|
وكوفانُ تبكي والبقيعُ وزمزَمُ
|
وكم قد تعطّفْتم عليهم تَرحُّماً
|
فلم يعطِفوا يوماً عليكم ويَرحموا
|
وكم مأتمٍ حزناً عليه أقمتَه
|
تَميدُ له رضوى ويَلوي يَلَمْلَمُ
|
معاجزُ لو أنّ البرايا ترومُها
|
عِداداً لَكلّتْ كيف تُحصى فتَنتَظِمُ
|
ولم تُحصَ لو أنّ البحارَ مِدادُها
|
وأقلامُها الأشجارُ والخَلقُ تَرقُمُ
|
أقمتَ وقوّمتَ الهدى بعدَ سادةٍ
|
أقاموا الهدَى من بعدِ زَيغٍ وقوَّموا
|
فلا رَبِحتْ آلُ الطليقِ تجارةً
|
ولا بَرِحتْ هوناً تُسامُ وتُرغَمُ
|
فما منْكم قدْ حرّمَ اللهُ حلّلوا
|
وما لكُم قد حلّلَ اللهُ حرّموا
|
وجَدُّهم لو كانَ أوصى بقتلِهمْ
|
إليكم لَما زِدتُم على ما فَعَلتُمُ
|
فَصَمْتُم من الدّين الحنيفيّ حبلَهُ
|
وعُروتَه الوثقى التي ليسَ تُفصَمُ
|
وقد مهّدَ المأمونُ ثمّ محمّدٌ
|
لِمعتَصمٍ تَمهيدَ مَن قد تَقدّموا
|
وسَمّتْهُ «أُمُّ الفضلِ» عن أمْرِ عَمِّها
|
فويلٌ لها من جَدِّه يومَ تَقدِمُ
|
فيا لَقصيرِ العُمرِ طالَ لِموتِه
|
على الدّين والدنيا البُكا والتألّمُ
|
مضيتَ فلا قلبُ المكارمِ هاجعٌ
|
عليكَ ولا طَرْفُ المعالي مُهوِّمُ
|