منها المجمل والمفصّل
مدخل إلى «الأباجاد» الثلاثة
____ العلّامة السيد محمّد حسين الطباطبائي ____
«أرجو أن تذكروا ما تعرفون عن حروف الأبجد واستنتاجاته واستخراجاته وآثاره، تبعاً للمطالب الواردة في الكتب؛ وكذلك حول أقسام الأبجد الكبير والصغير والوسيط، ومقدار أهميّة كلّ واحد منها وحسابه بطريقة المجمل والمفصّل».
كان ذلك ما كتبه العلامة السيّد محمّد حسين الطهراني لأستاذه الفيلسوف الكبير والمفسّر النوعي العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي رضوان الله عليهما.
وما يأتي، هو جواب العلّامة الطباطبائي، مختصراً، كما ورد في كتاب (الشمس الساطعة: ص 340 – 345).
«شعائر»
الظاهر أنّ الأبجد الكبير من المسلّمات، وهو من عدد واحد إلى ألْف مقسّمة على ثمانية وعشرين حرفاً من حروف اللغة العربيّة، وهو أمرٌ لا يطرأ عليه الشكّ لدى المسلمين من الشيعة والسنّة، وقد بسط علماء الفريقَين؛ مثل الشيخ بهاء الدين العامليّ، والشيخ محي الدين بن عربي، القول في هذا الموضوع.
كما أنّ الأبجد الكبير معروف لدى غير المسلمين أيضاً، وكان رائجاً لدى طائفة اليهود قبل الإسلام... ومع أنّ العبريّة لا تمتلك أكثر من اثنين وعشرين حرفاً، إذ ليس فيها حروف (ت خ ذ ض ظ غ)؛ وحروف التهجّي لديهم تنتهي إلى (قَرِشَتْ)، إلّا أنّهم مع ذلك يعتقدون بالأبجد الكبير، ويقسّمون عدد الألْف على حروفهم.
الأبجد عند الحضارات الشرقية
كنّا يوماً في مجلس ما، فدار الحديث عن وضع الأعداد من الواحد إلى الألف في الحروف الأبجديّة العبريّة (وهي 22 حرفاً)، وكان بعض المطّلعين وأهل الفنّ حاضراً، فاعترضتُ بأنّ حروف العبريّة تنتهي إلى (قَرِشَتْ) فقط، وأنّ عدد (التاء) أربعمائة، فكيف يمكنهم الاعتراف بالأبجد؟
قالوا: بطريقة خاصّة، حيث يوردون عند الحساب تلك الأعداد الستّة في حروفهم الأبجديّة، لتبدأ حساباتهم من الواحد وتنتهي بالألف. وكان في ذلك المجلس أحد الفلاسفة اليابانيّين؛ ومع أنّ العقائد اليابانيّة تعود في أسبابها إلى الصينيّين والوثنيّين، إلّا أنّي سألتُه: هل تعتقدون بالحروف وتأثيراتها؟
أجاب: نعم، نحن نعتقد بحروف الأبجد الكبير، ولدينا في هذا المجال كتب من العصور القديمة جديرة بالتأمّل والملاحظة.
والعجيب أنّهم يقولون بأنّ الحروف الأبجديّة لليابانيّين والصينيّين ثلاثمائة حرف، فهم يقسّمون بطريقة خاصة الأعداد من 1 إلى 1000 على ثمانية وعشرين عدداً على جميع حروفهم الأبجديّة.
ولا بدّ أنّهم يعمدون عند الحساب، كما في الفارسيّة التي يحتسب فيها الحرف (چ) معادلًا للحرف (ج)، والحرف (ژ) معادلًا للحرف (ز)، والحرف (گ) معادلًا للحرف (ك)، إلى احتساب كثير من حروفهم القريبة المخرج حرفاً واحداً. وعلى هذا -كما نُقل- فإنّ حساب الأبجد عسير جداً في اللغة الصينيّة، ويحتاج إلى تخصّص وفنّ لتشخيص أعداد الحروف وتعيينها، حيث إنّ بعض علمائهم المتبحرّين فقط يمكنهم التصدّي لأمر الحساب بجدارة.
إن تقسيم الآية ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ في مربّع حروف الأبجد مفيد لدفع الجنّ، وللأفراد المبتلين بالجنّ.
الأبجدان الكبير والأكبر
كيفيّة الأبجد الكبير هو أنّ كلّ حرف من الحروف العربيّة الثمانية والعشرين له عدد خاصّ من الواحد إلى الألف، بهذا الترتيب:
أبجد (1 – 4)، هَوَّزْ (5 – 7)، حُطِّي (8 – 10)، كَلِمَن (20 – 50)، سَعْفَص (60 – 90)، قَرِشَت (100 – 400)، ثَخِّذ (500 – 700)، ضَظِّغ (800 – 1000).
والهمزة (أ) والألف (ا) بمنزلة، والحروف المكرّرة بالتشديد بمنزلة الحرف الواحد، كما في كلمة «قدّوس» وهي تساوي 170؛ لأن القاف 100، والدال 4، والواو 6، والسين 60.
يُستنثى من هذه القاعدة لفظ الجلالة «الله»، وكتابته وفق قواعد الرسم العادية «ألّاه»، فمع أنّ اللام مشدّدة فيه، إلّا أنّها تحسب حرفين، وتُهمل الألف. لذا فإنّ لفظ الجلالة يعادل 66؛ لأن الألف 1، واللام 30، واللام 30، والهاء 5. وإهمال الألف يجري أيضاً على كلمتي: «إله»، و«رحمن»، فتعادل الأولى 36، والثانية 298.
وأمّا الأبجد الأكبر فيطلق على الحروف الأبجديّة بمضاعفتها عشر أضعاف؛ فحرف الياء مثلًا سيكون عدده في الأبجد الكبير مائة؛ وحرف الغين سيكون عدده 10000 (عشر أضعاف)، وهكذا في سائر الحروف.
الأبجد الصغير
أمّا الأبجد الصغير فيطلق على عدد الحروف الأبجديّة عند طرح [9 من كل 10 منها]؛ فحرف (ي) مثلًا عدده واحد، لأنّه في الأبجد الكبير يعادل 10، فعند طرح 9 منها سيبقى واحد.
وحرف (ن) عدده خمسة، لأنه عند طرح خمس تسعات من الخمسين يتبقّى خمسة؛ ولذا فإنّ حرف (ط) وحرف (ص) وحرف (ظ) لا تمتلك عدداً أصلًا، إذ حينما يطرح منها تسعة، فإنّه لا يبقى منها شيء، فهي من مضاعفات العدد (9).
الأبجد الوسيط
يطلق الأبجد الوسيط على حروف الأبجد الكبير بعد طرح 12 ومضاعفاتها منها، بنفس الطريقة التي ذُكرت في الأبجد الصغير.
الحسابان المجمل والمفصّل
تبقى الإشارة إلى أنّ كلّ كلمة تحسب بحساب الأبجد، فإنّها تُحسب إمّا بالحساب المجمل أو بالحساب المفصّل.
فالمجمل هو كما تقدّم في الأبجد الكبير. أمّا المفصّل فهو أنّ تعداد حروف الكلمة يجب أن تُحسب كما تُلفظ.
فكلمة (قدّوس) مثلًا لها أربعة حروف: ق د و س؛ فحرف (ق) يلفظ قاف؛ لذا يجب أن يحسب ثلاثة حروف: (ق) 100، (ا) 1، (ف) 80، وسيكون عدد قاف تبعاً لذلك 181.
وحرف (د) يلفظ دال؛ لذا يجب أن يحسب ثلاثة حروف (د) 4، (ا) 1، ل 30؛ فيكون عدد دال تبعاً لذلك 35.
وحرف (و) يُلفظ واو؛ لذا يجب أن يُحسب ثلاثة حروف: (و) 6، (ا) 1، (و) 6.
وحرف (س) يُلفظ سين؛ ويُحسب ثلاثة حروف كذلك: (س) 60، (ي) 10، (ن) 50؛ وهكذا ستكون كلمة قدوّس بالحساب المفصّل 349، بينما في الحساب المجمل 170.
مثال آخر: (يا أحد يا صمد): فهي تعادل بالحساب المجمل 169، وبالمفصّل 619.