حِدادُ المرأة على زوجها
تكليفٌ مستقلّ زمنَ العدّة
ـــــــــــــــ الشيخ عبّاس كوراني ـــــــــــــــ
حِدادُ المرأة على زوجها المُتوفّى عنها واجبٌ شرعاً مدّة العدّة، ولا يجب على غير الزوج، ويُستحبّ الحداد للرّجل والمرأة على الأقارب ثلاثة أيام، وهو ترك الزّينة وكلّ ما يتنافى وحال الحزن، وليس من الحداد ترك التنظّف والقيام بالواجبات الشرعيّة والإجتماعيّة.
الحِداد هو تركُ الزِّينة في البدن واللِّباس بِمِثل التَّكحيل، والتَّطيُّب، والخِضاب، والحمرة ونحوها، ولبْس ما يُعدّ زينة كالأحمر والأصفر والحُليّ، ولبْس الحرير والدِّيباج ونحوها من الثِّياب.
وبالجملة كلّ ما يُعدّ زينة ممّا تَتزيّن به المرأة للزَّوج، المُختلِف بِحَسب الأشخاص والبلدان والأزمان، فيُحكَم في كلّ بلد بما هو المُتعارف فيه. وتَختلفُ الزِّينة بحسب المرأة، والمَدار على ما يُعدّ زينة بِحَسب حالها، فقد يكون الأسود زينة، وقد يكون الأبيض زينة، وهكذا.
ما يُسمح للمرأة أثناء الحِداد
إنَّ الحِداد كما يَظهر من تعريفه هو تَرْك كلّ ما له دَخل في إظهار الفَرَح، ويَتنافى مع كَوْن الإنسان في حالة حُزن على مَن فَقَد.
ولذلك فلا بأس بتنظيف البدن واللِّباس، وتسريح الشَّعر، وتقليم الأظفار، والسِّواك، ودخول الحمَّام. وكذلك لا بأس بالسُّكنى في المساكن العالية، ولا بأس بالإفتراش بالفرش الفاخرة ممّا لا يُعدّ زينة في البدن واللِّباس.
وفي الحديث: «تقضي الحقوق، وتَمتَشط بغِسْلة، وتحجّ، وإن كانت في عدّتها»، قال في (القاموس): الغِسلة بالكسر الطِّيب وما تحمله المرأة في شعرها عند الإمتشاط، وما يُغسل به الرأس مِن خِطميّ [نوع نبات] ونحوه.
وجوب الحِداد
يدلّ على وجوب ترك الزِّينة على المرأة المُتوفّى عنها زوجها الأخبارُ المستفيضة، منها:
قال الرّاوي: «قلت لأبي عبد الله الصَّادق عليه السلام: المُتوفّى عنها زوجها [أي هل تَحدّ]؟ قال: لا تَكتَحل لِزينة، ولا تَتَطيّب، ولا تَلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تَخرُج نهاراً، ولا تَبيتُ عن بيتِها».
***
يقول الإمام الخميني قدّس سرّه في (تحرير الوسيلة): يجب على المرأة في وفاة زوجها الحِداد ما دامت في العدّة.
وقال: والأقوى أنّ الحداد ليس شرطاً في صحّة العدّة، بل هو تكليفٌ مستقلّ في زمان العدّة.
ولا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذميّة، كما لا فرق على الظّاهر بين الدّائمة والمُنقطعة، نعم لا يبعد عدم وجوبه على مَن قَصُرت مدّةُ تَمتُّعها كيوم أو يومين.
وهل يجب على الصغيرة والمجنونة؟ قولان أشهرهما الوجوب، بمعنى وجوبه على وليّهما، فيُجنّبهما عن التزيّن ما دامتا في العدّة، وفيه تأمُّل، وإن كان أَحوَط.
الخروج من البيت
وفي (تحرير الوسيلة) أيضاً:
يجوز للمُعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها، والتَّردُّد في حوائجها خصوصاً إذا كانت ضروريّة، أو كان خروجها لأمور راجِحة كالحجِّ والزِّيارة، وعيادة المريض، وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها.
نعم يَنبغي، بل الأحوط أن لا تَبيت إلّا في بيتها الذي كانت تَسكنه في حياة زوجها.. .
الحِداد على الأقارب
لا يجب الحِداد على الأقارب كالوالدَين والولد والأخ وغيرهم. نعم يُستحبّ الحِداد عليهم ثلاثة أيّام لجملة من الأخبار كما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «لا يَحِلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تَحدّ لميتٍ أكثر من ثلاثة أيّام، إلّا على زوج، أربعة أشهر وعشرة أيّام».
وعن الإمام الصّادق عليه السلام: «يحدّ الحميمُ على حميمِه ثلاثاً».
وفي حديث آخر: «ليس لِأحد أن يَحدّ أكثر من ثلاثة أيّام، إلّا المرأة على زوجها حتى تنقضيَ عدّتُها».
ويُفهم من حديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّ المرأة يحلّ لها أن تَحدّ على أحد أقربائها ثلاثة أيّام، وهو المُراد من الإستحباب كما ذُكِر.