الشيخ «الكُلَيْنِي» صاحب كتاب (الكافي)
أوثقُ المحمَّدين الثلاثة ، مجدّد المائة الثالثة
ـــــــــإعداد: أكرم زيدان ـــــــــ
• قالوا في (الكافي): «والكتاب يحكي لنا في فصوله وأبوابه وعناوينه، جودةً منهجيَّة في ترتيب أبواب علوم الإسلام، ودقّة التقسيم لمواضيع العقيدة والأخلاق والمعاملات والأحكام. لم يُسبَق بتصنيف قبلَه كي يُقلِّد، ولم يأتِ منافسٌ له من بعد كي يُقلَّد، فأصبح في الفرائد والمراجع والمصادر التي يُؤوى إليها، وفي الموارد الوثيقة التي يُؤخذ منها».
• وقالوا في الشيخ الكليني:
• النجاشي: شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، جليل القدر، وكان أوثقَ الناس في الحديث وأثبَتَهم.
• قال الشيخ الطوسي معرّفاً به: جليل القدر، عالم بالأخبار، له مصنّفات يشتمل عليها الكتاب المعروف بـ (الكافي). وقال أيضاً بأنّه ثقة، عارفٌ بالأخبار.
• وذكر الشيخ البهائي أن الكليني ألّف (الكافي) في عشرين سنة، ثمّ قال: ولجلالة قدره عدّه جماعة من علماء العامّة -كابن الأثير- من المجدّدين على رأس المائة الثالثة "..". |
تعريف: هو الشيخ محمّد بن يعقوب الكُلَيني، الرازيّ نسبةً إلى «الريّ» المدينة الواقعة جنوب طهران. أمّا «كُلَين»، فهي قرية من قرى الريّ من قُرى فشارية، كان فيها مولده.
ومن خلال مراجعة المصادر التي ترجمت لحياة الشيخ الكلينيّ، لم نعثر على تاريخ معيّن لسنة ولادته، إلّا أنّ المعلوم أنّه عاش زمن الغيبة الصغرى وفيها توفّي أيضاً.
أمّا سُكناه فكانت في مدينة بغداد، فقد سافر إليها من «كُلَين» لينشغل فيها بالتدريس والفُتيا، ولم يذكر رجال التراجم شيئاً مفصّلاً عن حياة هذا العَلَم، وكأنّه لم يكن مشهوراً بين العلماء في بادئ أمره حتّى ظهر تأليفه الشهير (الكافي) الذي ذاع صيتُه في الآفاق، فتوجّه إليه العلماء عاكفين على دراسته والأخذ منه وتمجيده والثناء على مؤلّفه الكلينيّ، منصرفين عن التعرّف على حياته وسيرته. وكأنّ الكتاب أصبح عنواناً كافياً للكاتب، يحكي حياته في الجانب العلميّ بشكل واضح.
من كلمات الأعلام
إمتاز الشيخ الكليني المُكنّى بـ «أبي جعفر» بخصائص علميّة، وفضائل عقليّة، انحسرت عند غيره أو ضعفت، فأصبح علَماً بين أقرانه. وظلّ كذلك على مدى أحد عشر قرناً، ولا يزال يُنظَر إليه بعين الإجلال والإكبار، ويُعتنى بطريقته في فحص الروايات وضبط الأسانيد والمتون في النصوص، ونقل الأحاديث من أصولها.
لهذا، ظلَّ الشيخ الكلينيّ مورد رجوع الفقهاء والمحقّقين والعلماء، ومحطّ رجال الفكر والقلم؛ إذ هو من أوائل مَن دوّنوا النصوص الشريفة التي كان عليها بناءُ أحكام الإسلام، وتفهّمُ علومه وأغراضه وغاياته الكريمة. ولم يكن نقلُه نقلاً عابراً، إنّما تحلّى بالتنقية والتحقيق العالي والدقّة الفائقة، في ترتيبٍ ونقلٍ للأحاديث من الأُصول الواردة عن الأئمّة عليهم السّلام.
ولهذه الخصائص المهمّة، كان الكُليني محلَّ ثناء العلماء وإعجاب المحدِّثين، من السابقين واللّاحقين، ومن الموافقين والمخالفين، من ذلك:
• ما نُقل عن إبن الأثير الجَزريّ صاحب كتاب (أُسد الغابة) و(الكامل في التاريخ) في كتابه (جامع الأصول)، وكذا عن الطِّيبي في (شرح مصابيح البَغَويّ) وغيرهما من العلماء، من الإعتراف بأنّ الشيخ الكليني: كان من المجدِّدين على رأس المائة الثالثة من الهجرة المباركة. فقد جاء في (جامع الأصول) ما نصُّه:
أبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازي، الإمام على مذهب أهل البيت، عالم في مذهبهم، كبيرٌ فاضلٌ عندهم مشهور، وعُدّ من مجدّدي مذهب الإماميّة على رأس المائة الثالثة.
هذا، إعتماداً على ما يرويه العامّة من صحيح أبي داود عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّ الله تعالى يبعث لهذه الأُمّة عند رأس كلّ مائة سنةٍ مَن يُجدّد لها دِينها. ربّما بمعنى أنّه مَن يَبعث لها ما طُمس من معالم دينها، وينهض بإخراج نفائس معارفها.
• إبن طاوس: الكليني الشيخ المتَّفَق على ثقته وأمانته، أبلغَ في ما يرويه، وأصدق في الدِّراية.
• وعن إبن حَجَر نُقل من كتاب (التبصير) ما نصّه: الكلينيّ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب، من رؤساء فضلاء الشيعة في أيّام المقتدر العبّاسي.
• الذهبيّ في (المشتبه): الكليني، من رؤوس فضلاء الشيعة في أيّام المقتدر.
• الطِّيبيّ الحسن بن محمّد: هو من مجدّدي الأمّة على رأس المائة الثالثة.
• في ما قال النجاشيّ: شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، جليل القدر، وكان أوثقَ الناس في الحديث وأثبَتَهم.
• الشيخ حسين بن عبدالصمد الحارثي: الكلينيّ شيخ عصره في وقته، ووجه العلماء النبلاء، كان أوثق الناس في الحديث، وأنقدهم له، وأعرفهم به.
• وذكر الشيخ البهائي أنَّ الكليني ألّف (الكافي) في عشرين سنة، ثمّ قال: ولجلالة قدره عدّه جماعة من علماء العامّة -كابن الأثير- من المجدّدين على رأس المائة الثالثة، بعدما ذكر أنّ سيّدنا وإمامنا عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام هو المجدّد للمذهب على رأس المائة الثانية.
• وقال الشيخ الطوسيّ معرّفاً به: جليل القدر، عالم بالأخبار، له مصنّفات يشتمل عليها الكتاب المعروف بـ (الكافي). وقال أيضاً بأنّه ثقة، عارف بالأخبار.
• وقال المحدّث النيسابوريّ في كتابه (مُنية المرتاد): ومنهم قدوة الأعلام الشيخ أبو جعفر الكليني الرازي، مُحيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة، والمؤلّف لجامع (الكافي) في مدّة عشرين سنة.
• وعدّه الشيخ محمّد تقي المجلسي -والد صاحب (البحار)- من علماء الشيعة الخالدين الذين لن يطويَهم التاريخ في طيّات النسيان.
• الشيخ محمّد باقر المجلسيّ: الكلينيّ الشيخ الصَّدوق، ثقة الإسلام، مقبول طوائف الأنام، ممدوح الخاصّ والعامّ.
• القاضي التستريّ في (المجالس): الكلينيّ، رئيس المحدّثين، الشيخ الحافظ.
• وقال الميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري: شأن الرجل أجلّ وأعظم من أن يختفي على أعيان الفريقين، أو يكتسي ثوب الإجمال لدى ذي عينَين ".." وحسبُ الدلالة على اختصاصه بمزيد الفضل وإتْقان الأمر، إتّفاق الطائفة على كونه أوثقَ المحمَّدين الثلاثة الذين هم أصحاب الكتب الأربعة.
• والمقصود بالمحمّدين الثلاثة هم: محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، ومحمّد بن الحسن الطوسي، ومحمّد بن يعقوب الكليني. والكتب الأربعة المعتمدة هي: (مَن لا يَحضُره الفقيه) للشيخ الصدوق، و(التهذيب) وكذا (الإستبصار) للشيخ الطوسي، و(الكافي) للشيخ الكليني.
* أمّا «آقا بُزُرْگ الطَّهرانيّ» فقد كتب في الكليني: وأمرُه وجلاله قدره بين العامّة والخاصة أظهرُ من أن يُذكَر، وهو المروِّج المجدِّد لرأس المائة الرابعة. قرأ عليه (الكافي) جمعٌ كثير، وروى عنه جمع كثير من مشايخ الصدوق.
أضواء على (الكافي)
سبب التأليف: كان وراء كتاب (الكافي) سبب لتأليفه، يذكره المحدّث النيسابوريّ قائلاً: سأله بعض الشيعة من المناطق النائية تأليفَ كتاب (الكافي)، لكونه بحضرة مَن يفاوضه ويذاكره ممّن لا يثق بعلمه، فألّف وصنّف.
وذكر الشيخ الحرّ العامليّ أنّ الكليني أجاب سائله على رسالته التي ترجو تأليف الكتاب، فكتب إليه: قد فهمتُ يا أخي ما شكوتَ من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة، وما ذكرتَ أنّ أُموراً قد أَشكلَت عليك، وأنَك لا تجد بحضرتك مَن تُذاكره وتفاوضه ممّن تثق بعلمه فيها. وقلت أنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدِّين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السّلام، والسُّنَن القائمة التي عليها العمل وبها تُؤدّى فرائض الله وسُنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله. وقلتَ: لو كان ذلك رجوتُ أن يكون سبباً يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا، ويُقبل بهم إلى مراشدهم، وقد يسّر الله -وله الحمد- تأليفَ ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت.
ومهما كان فيه من تقصير، فلم تقصر نيّتنا في إهداء النصيحة؛ إذ كانت واجبةً لإخواننا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكلّ مَن اقتبس منه، وعمل بما فيه، في دهرنا هذا وفي غابره إلى انقضائه.
• خصائص فريدة: هكذا كانت الضرورة، فكانت النيّة الصّادقة المخلصة والعمل الغيور الموفّق، فأثمر ذلك عن ثمرةٍ طيّبةٍ مباركة، هي كتاب (الكافي) بأجزائه الثمانية. وقد امتاز بخصائص فريدة:
1 ـ منها: أنّه جُمع من الأصول. قال الشهيد الثاني في (شرح دراية الحديث): قد كان استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف سمَّوْها «أُصولاً» كان عليها اعتمادهم، ثمّ تداعت الحال إلى ذَهاب معظم تلك الأصول، فاستدركها جماعة بتلخيصها، وأحسن ما جُمع منها (الكافي).
فأحاديث الأئمّة عليهم السّلام التي دوّنها أصحابُهم هي الأصول، والكافي إنّما نَهَل منها خير منهال.
2 ـ ومنها: اتّصال أسانيد (الكافي) -بلا فاصلة ولا قطع- بأهل بيت النبوّة عليهم السّلام. قال الشيخ البهائي: كان جَمَع علماء مُحدّثينا ما وصل إليهم من كلام أئمّتنا عليهم السّلام في أربعمائة كتاب تُسمّى «الأصول». ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين -شكر الله سعيهم- لجمع تلك الكتب وترتيبها، فألّفوا كتباً مضبوطةً مهذّبة مشتملة على الأسانيد المتّصلة بأصحاب العصمة عليهم السّلام، كـ (الكافي).
وقال الشيخ محمّد باقر المجلسي: بهذا الإسناد جمع مرويّات الكليني عن الأئمّة عليهم السّلام بواسطة مَن روى عنهم. وبهذا الإسناد عن الأئمّة جمع أحاديث سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله بطريقهم الصحيح الذي لا مِريةَ فيه، ولا شكَّ يعتريه.
إذاً، فـ(الكافي) يأخذ من عينٍ صافية.
3 ـ ومنها: أنّ الكتاب قد حظيَ بالإشراف الأمين، فالشيخ الكليني عاش وتُوفّي في ظلّ الغيبة الصغرى للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فَرَجه، وفي حضور سفرائه الأربعة. قال السيّد إبن طاوس: وهذا الشيخ الكليني، كانت حياته في زمان وكلاء مولانا المهدي عليه السّلام: عثمان بن سعيد العَمْري، وولده أبي جعفر محمّد، وأبي القاسم الحسين بن روح، وعليّ بن محمّد السّمري. وقد تُوفّي الكليني قبل وفاة السّمري، فتصانيف الشيخ الكليني ورواياته في زمان الوكلاء المذكورين.
وجاء عن المحدّث النيسابوري: الكليني، المؤلّف لجامع (الكافي) في مدّة عشرين سنة، المتوفَّى قبل وقوع الغيبة الكبرى، كتابه مُستغنٍ عن الإطراء؛ لأنّه كان بمحضر من نُوّاب الإمام المهدي عليه السّلام. وحُكي أنّه عُرض عليه عليه السّلام فقال: «كافٍ لشيعتنا».
4 ـ ومنها: أنّ الشيخ الكليني قد أجهد نفسَه في أخذ الأحاديث بشكل دقيق؛ ففي رسالته إلى الذي طلب منه تأليف الكتاب ذكر عبارة (الآثار الصحيحة). ويعني هذا أنّه تَوخّى نقل الثابت عن المعصوم عليه السّلام بالقرائن القطعيّة أو التواتر، فكان رضوان الله عليه دقيقاً على غاية الدقّة في ضبط متون الأحاديث وأسانيدها.
5 ـ ومنها: أنّ الكافي حظيَ بإجلال وتوثيق وثناء العلماء الأفاضل وأهل الخبرة والإختصاص من أهل السنّة والشيعة، وقرأه عليه جمع كثير، كما روى عنه جميع غفير، حتّى قال:
• الشهيد الأوّل: الكافي في علم الحديث لم يُكتَب مِثلُه.
• الشيخ المفيد، اعتبره مِن قَبل ذلك من سلسلة أجلّ الكتب وأنفعها.
• الشيخ المجلسي محمّد تقي، قد عدّ أخبار (الكافي) وترتيبها في غاية الدقّة، وأنّ الكليني مؤيَّدٌ من الله تعالى بتأييدٍ خاص.
• الفيض الكاشاني، إعتبر (الكافي) من أكمل وأجمع الكتب في الحديث، إذ هو شامل على الأصول، وخالٍ من العيوب والفضول.
• المحقّق الكَرَكي: هذا الكتاب الكبير في الحديث (الكافي) لم يُكتَب مثله للآن، وهو كتاب في الأحاديث الشرعيّة والأسرار الدينيّة، لم يَرِد مثلُه بهذا الجمع في الكُتب الأخرى.
• المولى محمّد أمين الأسترابادي في محكيّ فوائده، قال: سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنّه لم يُصنَّف في الإسلام كتابٌ يوازيه، أو يُدانيه.
• الشيخ عبّاس القمّي قال في (الكنى والألقاب): (الكافي) هو من أجلّ الكتب الإسلاميّة، وأعظم المصنّفات الإماميّة، والذي لم يُعمَل للإماميّة مِثلُه.
وعلى أيّ حال، فـ (الكافي) -ومنذ أحد عشر قرناً- تنصبّ عليه جهود كبيرة من المطالعة الفاحصة والتحقيق العميق، ومراجعة المحدّثين والمفسّرين والمتكلّمين، فيحظى بموضع الإجلال من كبار أهل الإختصاص والخبرة. فالأخبار الواردة فيه منقولة عن لسان المعصومين، النبيّ وآله المهديّين صلوات الله عليهم أجمعين، ومكتوبةٌ من قِبل أصحابهم الثّقاة المؤتمَنين، ومتداولةٌ يداً بيد من مؤمن ثقةٍ إلى ثقة، حتّى وصلت إلى يد الشيخ الكليني.
يشتمل (الكافي) على ثلاثين فصلاً بعنوان كتاب: أوّلُ كُتبه: كتاب العقل وفضل العلم، وثانيها: كتاب التوحيد، ثمّ كتاب الحُجّة، والإيمان والكفر، والدعاء، وفضائل القرآن، والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ، ثمّ النكاح والطلاق والعتق والتدبير، ويتناول في ما بعد شؤون المعيشة والقضاء، والأطعمة والأشربة، إلى أن يبلغ الجهاد والوصايا والحدود والفرائض.
وقد ضمّ مجلّداتٍ ثمانية اشتملت على:
1ـ أصول الكافي. 2ـ الفروع من الكافي. 3ـ الوافي من الكافي. 4ـ الروضة من الكافي.
وإلى ذلك، فالكتاب يحكي المنزلة العلميّة للشيخ الكليني، وجلالة قَدْره ورفعة درجته، وإن كانت كتبه الأخرى موضع تقدير العلماء، ومنها:
1 ـ كتاب في تفسير الرؤيا.
2 ـ كتاب في الردّ على القرامطة.
3 ـ كتاب في الرجال.
4 ـ كتاب ما قيل في الأئمّة عليهم السّلام من الشعر.
5 ـ كتاب رسائل الأئمّة عليهم السّلام.
إلّا أنّ هذه الكتب لم تشتهر، فبقي (الكافي) هو الذي تصدّر واشتهر، وبه عُرف مؤلّفه وشُكر.
وفاة الشيخ الكُلَيْني
ذُكرت سنة وفاة الشيخ الكلينيّ رحمه الله مرّتين: 328 للهجرة، و329 للهجرة، وكلتاهما مشهورتان. إلّا أنّ النّجاشيّ أكدّ أن وفاته وقعت سنة تناثر النجوم وهي سنة 329 للهجرة، وهي السنة التي تساقطت فيها الشُّهب بكثرة ملحوظة. ويبقى الثَّابت في وفاته أنّها كانت قبل الغيبة الكبرى.
ودُفن في بغداد بباب الكوفة، وهو أحد الأبواب الأربعة لقصر «المنصور» الذي بناه وسط بغداد. وقبر الشيخ الكلينيّ واقع في الجانب الشرقيّ المُسمّى بـ «الرّصافة» عند طرف «جسر الشهداء» اليوم، وقد أصبح معروفاً بل مَزاراً معلوماً. [يقع ضريح الشيخ الكليني قدّس سرّه في جامعٍ في جانب الرصافة عند (جسر الشهداء) يقابله جامع اسمه (الوزير)، وكانت هنالك كتابات وعبارات على القبر وعلى الجامع تُشير إلى أنّ هذا القبر يعود للكليني. وقبل سقوط النظام البعثي بسنة أقدمت عصابات صدام على تشويه الحقيقة، حيث قاموا بإخفاء العبارات التي تُشير إلى إسم صاحب القبر، وكتابة إسم (الشيخ حارث المحاسيبي) بدلاً عنه، وكان اسم الجامع بدّل سابقاً إلى (الآصفية)»].
وقد ذكر السيّد هاشم البحرانيّ في (روضة العارفين) أنّ جسد الكلينيّ قد رُئي طريّاً بكفنه بعد سنوات متمادية، حيث لم يندثر ولم يتعرّض للتآكل، يشهد بذلك هذه الحادثة:
رأى بعض حكّام بغداد قبر الكليني -عطّر الله مرقده- فسأل عنه، فقيل: إنّه قبر بعض الشيعة. فأمر هذا الحاكم بهدمه، فحُفر القبر وإذا به يرى فيه جسداً بكفنه لم يتغيّر، وإلى جنبه طفل صغير مدفون بكفنه أيضاً! فأمر الحاكم بدفنه مرّة ثانية، وبنى عليه قبّة، وهو إلى الآن قبرٌ معروف ومشهود.
هذا ما جاء في (روضة الواعظين) للفتّال النيسابوريّ، أمّا في غيره فقد ورد أنّ بعض حكّام بغداد لمّا رأى إقبال الناس على زيارة الأئمّة عليهم السّلام وتعظيمهم وتشييد قبورهم، حمله النُّصب والبُغض يومَها على التفكير بنبش قبر الإمام موسى الكاظم عليه السّلام قائلاً: إن كان كما يزعم الشيعة من فضله فهو موجود في قبره، وإلّا مَنَعْنا الناسَ من زيارة قبورهم. فقيل له -ولعلّ القائل هو وزيره-: إنّ الشيعة يدّعون في علمائهم أيضاً ما يدّعون في أئمّتهم! وإنّ هنا رجلاً من علمائهم المشهورين، واسمه محمّد بن يعقوب الكليني، وهو من أقطاب علمائهم، فيكفيك الإعتبار بحفر قبره.
فأمر الحاكم بحفر قبر الشيخ الكلينيّ، حتّى إذا كُشف وجد الشيخَ على هيئته كأنّه قد دُفن في تلك الساعة! فأمر الحاكم ببناء قبّة عظيمة عليه وبتعظيمه، وصار القبر فيما بعد مزاراً مشهوراً.