***
يُعدّ الجيش من أكثر المؤسّسات شعبيّةً في بلدنا. ".."
صحيحٌ أنّ جيوش العالم تتشكّل تحت شعار حفظ المصالح القوميّة وتعمل على هذا الأساس، لكن هل هذا الأمر واقعاً كذلك؟ فهل كان جيش أمريكا في العراق وفي أفغانستان يحافظ على المصالح القوميّة لأمريكا؟ وهل أنّ شعب أمريكا استفاد من احتلال أفغانستان؟ وهل هو راضٍ ومسرور من قتل شعب أفغانستان؟ وهل أنّ مصالح أمريكا يتمّ تأمينها من خلال قيام مرتزقتهم بإطلاق الرَّصاص على النّاس، والتّمثيل بجثثهم، والتقاط الصُّوَر مع جثَثِهم [المقطّعة]؟
لو أنّ أحداً سأل زعماء الولايات المتّحدة ماذا تريدون من كلّ هذا الجيش الكبير وهذه الأجهزة الحديثة وما فوق الحديثة لقالوا: من أجل المصالح القوميّة. لكن هل أنّ جوابهم صادقٌ؟
وهكذا الأمر في كلّ بلاد العالم. ".." من الممكن أن نجد في بعض الزّوايا هنا وهناك ما يمكن أن ينقض كلامنا، ولكن ما شاهدناه وعرفناه هو هكذا على الأغلب في كلّ بلاد العالم؛ فالجيوش يتمّ تشكيلها تحت عنوان المصالح القوميّة، ولكنّها ليست في خدمة هذه المصالح؛ بل إنّها تكون في خدمة طلّاب الزّعامة السّياسيّة. وقد كان الأمر هكذا طيلة التّاريخ. ".." [ما نشاهده اليوم في العالم هو أنّ الجيوش] إمّا أن تكون في خدمة المطامع الشّخصيّة [للحكّام] أو لِحفظ القوى الطّاغوتيّة.
في بدايات الثّورة، وفي واحدٍ من هذه القصور الملكّية حيث وُضع قسم من قوّات الجيش من أجل الحراسة، كانت هناك لوحة إعلانات كبيرة، كُتب عليها ما مضمونه: نحن -أي الجنود- قد التحقنا بالجيش من أجل حفظ حياة هذا الطاغوت! [الشاه]
[أَليسَ] هذا بعيداً جداً عن المصالح القوميّة؟ لو أنّنا وجدنا في هذا العالم جيشاً يحمل قناعات الشّعب ومشاعره نفسها، ولا يرى [إلى نفسه على أنّه] لخدمة الأفراد بل لخدمة الشّعب ومصالحه بالمعنى الحقيقي، فمثل هذا الجيش له أهمّية وقيمة عظيمة، وهذا هو جيشكم. وفي الحقيقة ليس عندي موردٌ آخر يُشبِهُه.
أمّا بالنّسبة لهذه الدُّول التي شهدت الثّورات مؤخّراً، فلنرَ ماذا ستُثمر وماذا سيفعلون. ولكن إلى الآن، فإنّني لا أرى جيشاً مثيلاً؛ جيشٌ لا يكون في خدمة طلّاب القدرة الشّخصيّة ولا يُفني نفسه من أجل شخص. وهذا ما أريد أن أؤكّد عليه؛ فلا الله يرضى، ولا أحكام الإسلام تجوِّز أن نقول إنّ جيشنا أو قوّاتِنا المسلّحة أو عناصرنا تفدي نفسها لفلان، أبداً... نعم، فليَمُت الجميع من أجل الإسلام، وليَمُت هذا الفلان من أجل الإسلام أيضاً. ".." وهذا الموت يُدعى شهادة. في هذه الحالة يكون الجيش جيشاً إلهيّاً ومعنويّاً، ويكون حينها إسلاميّاً ".."
**
اليوم يوجد تحرّكٌ في العالم عرفه الجميع وأدركه، وهو تحرّكٌ مخالفٌ لنظام التّسلّط. إنّ قضيّتنا ليست مع الأشخاص -من أيّ جهةٍ كانوا وفي أيّ رتبة كانوا- القضيّة هي قضيّة نظام التّسلّط. فماذا يعني هذا النّظام؟
إنّه عبارة عن تقسيم دول العالم وشعوبه إلى قسمين، إلى المتسلِّط والرّاضي بالتّسلُّط. ولا شكّ أنّ بعض هؤلاء المتسلّطين الخُبثاء يكتمون هذا المعنى والمضمون وينكرونهما، ولا يأتون على ذكرهما؛ لكنّ البعض منهم وبسبب بلاهتهم الذّاتيّة يصرّحون به، كرئيس أمريكا السّابق [جورج بوش] الذي صرّح قائلاً: إنّ كلّ مَن لا يكون في قضيّة أفغانستان وقضيّة الهجوم على البرجَين وأمثالها مع أمريكا فهو ضدّنا! هذه حماقة، فالمتسلِّطون في العالم هكذا يقيمون علاقاتهم مع العالم؛ وينبغي في المقابل أن يوجد الذي يرضى بمثل هذا التسلّط.
إنّ مشكلة الأجهزة المقتدرة المتسلّطة في العالم هي أنّ هناك تحرّكاً قد انطلق في العالم، وهو يعارض هذا التّقسيم. وفي مركز هذا التّحرّك تقع إيران الإسلاميّة وأنتم.
لقد كان صبر إيران الإسلاميّة كبيراً. ففي اليوم الأوّل الذي بدأنا به هذا التّحرُّك لم يكن هناك في العالم مَن يستجيب لنا. ".." جميع الحركات التّاريخيّة على هذا المنوال. فإنّ التّحرّكات التّاريخيّة وإن كانت تبدو للوهلة الأولى دفعيّةً، لكنّها ليست كذلك بتاتاً، إنّها متدرِّجة تنتظر نقطة النُّضج والتَّفتّح؛ فتقع حادثةٌ أو تحدث قضيّة وفجأةً فإنّ ذلك الإستعداد وتلك القدرة المتراكمة المتجمِّعة والمتضافرة تبرز بنفسها وتنفلت من عقالها، فيحدث كما حدث في مصر وبقيّة الأماكن. ثلاثون سنة مرّت حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. ".."
المستعمرون والمقتدرون يخافون -بالمعنى الواقعي للكلمة- من هذه الحركة. وكلّ هذه الإضطرابات والتّهديدات والحَظْر والحصار ناشئة من الخوف. إنّني لا أدّعي أنّهم يخافون الجمهوريّة الإسلاميّة بالخصوص كدولةٍ أو كجيشٍ، بل يخافون من هذه الحركة، من هذه الظّاهرة غير المسبوقة والتي بالنّسبة لهم هي مجهولة بالكامل. وهذه الحركة هنا تتفاقم وهنا تُبثّ وهنا تتجدّد. إنّهم يخافون من شبابنا المؤمنين أُولي العزم، ومن مشاعرنا الوطنيّة المتأجِّجة المصحوبة بالمعرفة الجيّدة -ولا نقول العالية- ففي يومنا هذا يُعدّ مستوى المعرفة والبصيرة في بلدنا وللإنصاف جيداً.
**
".." [يقال دائماً] إنّ العمود الفقري للجيش هو القوّة البرّيّة. [لقد تقلّص احتمال نشوب معارك برّيّة في حروب اليوم] وازداد احتمال وقوع المعارك البحريّة والجويّة وأمثالها، لكنَّ القوّة البرّيّة يجب أن تحافظ على جهوزيّتها الحقيقيّة وتزيدها رقيّاً. والإستعداد الحقيقي يعني الإيمان والدّافع والتّدرُّب وتعلُّم الإختصاصات اللّازمة ".." وثبات وصلابة الشّخصيّة [التي] لا يمكن أن تؤثِّر فيها الإغراءات المختلفة وتذلّها "..".
أللّهمَّ بمحمَّدٍ وآل محمَّدٍ اشملنا مع أولئك الذين قلت عنهم ﴿..رضي الله عنهم ورضوا عنه..﴾ المائدة:119.
أللَّهمَّ اشملنا بدعاء وليّ العصر أرواحنا فداه، واجعل دعاءه مستجاباً فينا.