فكر ونظر

فكر ونظر

منذ يوم

تحديدُ الكبائر في الأخبار

                     

تحديدُ الكبائر في الأخبار

كلُّ كبيرٍ صغيرٌ بالإضافة إلى الشِّرك باللهِ تعالى

ــــــــــــــــــــــــــــ الفقيه المحقّق الشيخ ضياء الدّين العراقي رحمه الله ــــــــــــــــــــــــــــ

 

وردَت الرّوايات المتعدّدة في تحديد الكبائر من الذّنوب، إنْ لجهة تَمييزها عن غيرها ممّا عدّه بعض العلماء من الصّغائر، أو لجهة حصرها بناءً على كونها ممّا أوعدَ الله تعالى عليها النّار في القرآن الكريم، أو سوى ذلك من الاعتبارات.

في ما يلي مقتطف من بحث الفقيه الشيخ ضياء الدّين العراقيّ الوارد في كتابه (شرح تبصرة المتعلّمين – كتاب القضاء)، نُورده بتصرّف.

 

أوسعُ شيء ورد في تحديد الكبائر: صحيحةُ عبد العظيم الحَسنيّ، قال: حدّثني أبو جعفر الثّاني [الإمام الجواد] عليه السّلام، قال: «سَمِعْتُ أَبي يَقولُ: سَمِعْتُ أَبي موسى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِما السَّلامُ يَقولُ: دَخَلَ عَمْرو بْنُ عُبَيْدٍ عَلى أَبي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمَّا سَلَّمَ وَجَلَسَ، تَلا هذه الآية ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ..﴾ النّجم:32، ثُمَّ أَمْسَكَ.

فَقالَ لَهُ أَبو عَبْدِ اللهِ: ما أَسْكَتَكَ؟

قالَ: أُحِبُّ أَنْ أَعْرِفَ الكَبائِرَ مِنْ كِتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فقال: نَعَمْ يا عَمْرو، أَكْبَرُ الكَبائِرِ:

1- الإِشْراكُ بِاللهِ. يَقولُ اللهُ: ﴿.. إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ..﴾ المائدة:72.

2 - وَبَعْدَهُ الإيَاسُ مِنْ رَوْحِ الله؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ﴾ يوسف:87.

3 - ثُمَّ الأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ﴾ الأعراف:99.

4 - وَمِنْها عُقوقُ الوالِدَيْنِ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحانَهُ جَعَلَ العاقَّ جَبّاراً شَقِيّاً.

5 - وَقَتْلُ النَّفْسِ الّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ. لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها..﴾ النساء:93.

6 - وَقَذْفُ المُحْصَنَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ النور:23.

7 - وَأَكْلُ مالِ اليَتيمِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ النّساء:10.

8 - وَالفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَه ُإِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ الأنفال:16.

9 - وَأَكْلُ الرِّبا؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ..﴾ البقرة:275.

10 – وَالسِّحْرُ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ..﴾ البقرة:102.

11 – وَالزِّنا؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً﴾ الفرقان:68-69.

12 - وَاليَمينُ الغَموسُ الفاجِرَةُ [سُمّيت غَموساً لأنّها تغمِسُ صاحبَها في الإثم، ثمّ في النار. وفَعول للمبالغة]؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿إنّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ..﴾ آل عمران:77.

13 – وَالغُلولُ [الغلول: الخيانة في المَغنَم، والسّرقة من الغنيمة قبل القِسمة]؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ..﴾ آل عمران:161.

14 - وَمَنْعُ الزَّكاةِ المَفروضَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ..﴾ التوبة:35.

15 - وَشَهادَةُ الزّورِ.

16 - وَكِتْمانُ الشَّهادَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ..﴾ البقرة:283.

17 - وَشُرْبُ الخَمْرِ؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ نَهى عَنْها كَما نَهَى عَنْ عِبادَةِ الأَوْثانِ.

18 - وَتَرْكُ الصَّلاةِ مُتَعَمِّداً، أَوْ شَيْئاً مِمّا فَرَضَ اللهُ عزَّ وجلَّ، لِأَنَّ رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قالَ: مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ مُتَعَمَّداً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسولِهِ.

19 - وَنَقْضُ العَهْدِ.

20 - وَقَطيعَةُ الرَّحْمِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ ﴿..لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ الرّعد:25.

قال: فخرجَ عمرو بنُ عبيد ولَه صراخٌ من بُكائه وهو يقول: هلكَ مَن قالَ برأيه ونازعَكم في الفضلِ والعلم».

أكبرُ المعاصي سَبع

وقد استفاضَ حَصرُ عدد الكبائر في سَبع. كما تقدّم في حديث عبيد بن زرارة عن الإمام الصّادق، قال: «هُنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ سَبْعٌ: الْكُفْرُ بِاللَّه، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وأَكْلُ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً، والْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، والتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

قَالَ [الرّاوي]: فَقُلْتُ: فَهَذَا أَكْبَرُ الْمَعَاصِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَأَكْلُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً أَكْبَرُ أَمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: تَرْكُ الصَّلَاةِ. قُلْتُ: فَمَا عَدَدْتَ تَرْكَ الصَّلَاةِ فِي الْكَبَائِرِ. فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَوَّلُ مَا قُلْتُ لَكَ؟

قَالَ: قُلْتَ: الْكُفْرُ. قَالَ: فَإِنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ..». [مرّ في الرّقم 18 من الحديث الأوّل أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عدَّ ترك الصّلاة متعمّداً بمنزلة البراءة من ذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وآله]

لكن يُحمل هذا العدد على أنّها أكبرهنّ. كما في حديث أبي الصّامت عن الصّادق عليه السّلام، قال: «أَكْبَرُ الكَبَائِر سَبْعٌ: الشِّرْكُ بِاللهِ العَظيمِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الّتي حَرَّمَ اللهُ إلّا بالحَقّ، وأَكْلُ أَموالِ اليَتامى، وَعُقوقُ الوالدَين، وَقذْفُ المحصَناتِ، والفِرارُ من الزَّحْف، وإنكَارُ مَا أنزلَ اللهُ...»، وفي ذيلِ الحديث ما يؤوّل هذه السّبع إلى إنكار حقوقِهم عليهم السّلام، فراجع.

وفي حديث ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن الصّادق عليه السّلام، قال: «وَجَدْنا في كتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام، الكبائرَ خَمْسَةٌ». وفي بعضها ثمان. وفي آخَر: تسع، وهذا الاختلافُ في التّعداد أيضاً دليلٌ على نسبيّة الكبيرة؛ من كبيرٍ إلى أكبر.

 

رأيُ الشيخ الصّدوق

ومن ثمَّ لا اختلاف حقيقةً بين التّعديدات الواردة في الرّوايات. ويشهد له التّعبيرُ في بعضها بـ «السَّبع المُوبقات»، أو «السَّبعِ الموجبات»، أي المُوجبات للخروج عن الإيمان كما في حديث نعمان الرّازيّ، قال: «سمعتُ أبا عبد الله عليه السّلام: مَنْ زَنى خَرَجَ مِنَ الإِيمانِ»، أو «.. سُلِبَ الإيمان»، أو «.. فارقَه روحُ الإيمان». وقال محمّد بن الحكيم: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام: الكبائر تُخرِج من الإيمان؟ فقال:

نَعَمْ، وَما دونَ الكَبائِرِ. قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لا يَزْني الزّاني وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

وَلْنختم المقالَ بما قاله النّاقدُ الخبير بمَواقع الحديث؛ شيخُ المحدّثين الصّدوق عليه الرّحمة، قال: «الأخبار في الكبائر ليست بمختلفة، وإنْ كان بعضُها وردَ بأنّها خمس، وبعضها بسبع، وبعضها بثمان، وبعضها بأكثر، لأنّ كلّ ذنبٍ بعد الشّرك كبيرٌ بالإضافة إلى ما هو أصغرُ منه. وكلُّ صغيرٍ من الذّنوب كبيرٌ بالإضافة إلى ما هو أصغر منه. وكلّ كبيرٍ صغيرٌ بالإضافة إلى الشِّرك بالله العظيم».

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات