حوارات

حوارات

منذ يومين

الشهيد الشيخ مرتضى مطهّري متكلّماً عن «الحرّية» و«حُكم الأكثريّة»


الشهيد الشيخ مرتضى مطهّري متكلّماً عن «الحرّية» و«حُكم الأكثريّة»:

* «الكلمة السَّواء» في القرآن الكريم دعوة إلى التّوحيد النّظري، والعملي

* هل تحطيم إبراهيم عليه السّلام أصنامَ قومه عدوان ثقافي؟!

ــــــــــــــــــــــ أعدّه للنّشر: محرّر شعائر ـــــــــــــــــــــ

هذه فقرات من مقابلة تلفزيونيّة مباشرة أُجريت مع الأستاذ الشهيد الشيخ مرتضى مطهّري في اليوم الثاني بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران (شباط/ 1979م)، وكان النقاش في حينه محتدماً حول مفاهيم فكريّة ذات صِلة بطبيعة النّظام الذي سيحكم البلاد، وكان في نيّة الشيخ الشهيد استكمال هذا الحوار، لكنّه – رضوان الله عليه – استُشهد غيلةً قبل أن يتمّ له ذلك.

تعيد مجلة «شعائر» نَشر أبرز ما ورد من هذه المقابلة، مع الإشارة إلى أنّ النصّ الكامل للحوار كان نُشر في العدد السّادس من فصليّة ثقافتنا (1426 للهجرة) مرفقاً بهوامش وإيضاحات من المعرّب د. محمّد علي آذرشب.

 

* ما قولكم في قضيّة «ثبات الشّريعة، وتقدّم الزّمن»، بمعنى أنّ متطلبات الزّمن الجديد تُغاير حاجات الإنسان المعاصر لزمن التشريع، وعليه يتوجّب علينا إعادة النظر في هذه التشريعات، أو في قسمٍ منها.

مسألة تطوّر الزمن، حقيقة ثابتة لا شكّ فيها، لكنّ هذه الحقيقة تنطوي على مسألة يغفل عنها البعض.

المسيرة التي يطويها الفرد الإنسانيّ والمجتمع الإنسانيّ، تشبه مسيرة قافلة متحرّكة سائرة متنقّلة من محطّةٍ إلى أخرى. هذه القافلة، لا تبقى ساكنة وثابتة في محطّة معينة، بل تستمرّ في السّير مغيّرة محطاتها، إلّا أنّها لا تغيِّر طريق سيرها في هذا التنقّل.

الفرد والمجتمع لا يمكن أن يكونا ساكنَين ولا ينبغي أن يمكثا في نقطةٍ معيّنة من المسير، فذلك معارض لقانون الطبيعة، لكنّ مسير التكامل للفرد والمجتمع واحد لا يتغيّر.

تُرى هل من الضّروريّ أن يغيّر الفرد والمجتمع طريقهما التكاملي في كلّ مرحلة من مراحل حياتهما؟

هل من اللّازم أن ينتخبا في كلّ مرحلة طريقاً جديداً وهدفاً جديداً؟ لا.. المسيرة التكامليّة للبشر خطٌّ ثابت، يُشبه مدار النجوم.

الحركة مستمرّة، والمدار ثابت، هل نستطيع أن نعتبر النجوم ثابتة ساكنة لأنّها تتحرّك على مدارٍ ثابت واحدٍ؟

هذه المسألة تطرح بنفس الشّكل على صعيد حركة الإنسان والمجتمع.

مستلزمات الحياة الإنسانيّة ومظاهر المدنيّة تتطوّر باستمرار، ولكن تُرى، هل إنّ إنسانيّة الإنسان والقيم الإنسانيّة، والكمال الإنسانيّ هي حقائق متغيِّرة متبدِّلة؟!

هل إنّ الموازين الإنسانية التي نؤمن بها اليوم، هي غير الموازين التي كان يؤمن بها أجدادنا وغير الموازين التي سيؤمن بها أحفادنا؟!

هل سيأتي يوم تعتبر فيه البشريةُ «معاوية» مثالاً للإنسانيّة، وتعتبر «أبا ذرّ» مثالاً لأعداء الإنسانيّة؟ هذا مستحيل.

الإنسان - كما قلنا - غير ثابت، لكنّ مداره ثابت، ومن هنا فهو يمتلك معايير هي بمنزلة دلالات كي لا يضلّ الطّريق، فكما أنّ المسافر يحتاج إلى علامات ودلالات كي لا يضلّ الطّريق، كذلك الإنسان بحاجة إلى معايير ثابتة يهتدي بها في مسيره.

«نوع» الإنسان لم يتغيّر منذ ظهوره على الأرض، وعدم تبدُّل الموجود البشريّ من نوعٍ إلى آخر لا يعني ثبات هذا الموجود في نقطه معيّنة، بل إنّه طوى ولا يزال يطوي مسيرته التكامليّة.

لو أنّ تغيُّراً طرأ على النّوع الإنسانيّ، لاستلزم تغيُّراً في القوانين التي تتحكّم فيه.. لكنّ ثبات النّوع الإنسانيّ يتطلّب بالضرورة مجموعة مبادئ ثابتة ترتبط بطبيعة الإنسان وكماله، على أنّ الإنسان يحتاج أيضاً إلى قوانين متغيِّرة تسدّ احتياجاته المتطوّرة خلال انتقاله من محطّةٍ إلى أخرى، أو من مرحلة إلى أخرى في مسيرته التكامليّة.

الإنسان يحتاج إذاً إلى قوانين ومبادئ ثابتة ترتبط بحركته المداريّة، وإلى قوانين متغيِّرة ترتبط بتنقّله المرحليّ.

أحكام الإسلام موضوعة لحركة الإنسان المداريّة الثابتة، لا المرحليّة المتغيِّرة، غير أنّ الإسلام أعدّ المقدّمات والتمهيدات والأطر اللّازمة لسدّ احتياجات الإنسان المتغيِّرة.

نظام أخلاقيّ بمعزل عن الشّريعة؟

* هل يصحّ الفصل بين الدّين والقِيَم، بدعوى أنّ الدّين كتلة من الطقوس، بينما القِيَم تنتمي إلى عالَم روحاني أسمى؟

بعض الباحثين في الأنظمة الوضعيّة، يحاول الفصل بين الدّين والقِيَم الخُلقية، في محاولة لإيجاد نظامٍ أرضيٍّ أخلاقيّ، وهؤلاء يحاولون البحث عن مُثل خُلقيّة من دون دين، زاعمين أنّ هذه المُثل، تستطيع أن تجمع أفراد البشر على صعيدٍ إنسانيٍّ واحد مشترك دون تمايزٍ مذهبيٍّ أو عنصريّ، بينما الدّين يؤدّي إلى إثارة عصبيّات ومناحرات بين أتباعه وغيرهم، وهذه العصبيّات تتناقض مع سلامة الرّوح ومع الجوّ الخُلُقيّ الذي ينبغي أن يسود في المجتمع.

وهذه دعوة أتباع «المذهب الإنسانيّ» أو (الأومانيسم) التي تنادي بعالمٍ خُلقيٍّ روحيٍّ خالٍ من الدّين. أتباع هذه الدّعوة، خالوا أنّ الأجواء الخُلقية يمكن خَلقها عن طرق إطلاق الشّعارات الإنسانيّة وحبك مبادئ الأومانيّة [التي] أثبتت زيفها وخواءها على الصّعيد العمليّ، وموقف جان بول سارتر - داعية الأومانيّة في عصرنا - من «إسرائيل»، ذلك الموقف المتعاطف المؤيّد، أفضل شاهد على هذا الزّيف والخواء.

ثمّة مجموعة أخرى، حاولت أن تطعّم أطروحتها في حقل النّظام، بجوانب أخلاقيّة وإنسانيّة [نظريّة]، وَسَعتْ أن تقتبس من الجانب [النّظريّ] للأديان التعاليم الأخلاقيّة، تاركةً تصوّرات الأديان ومحتواها الإيديولوجيّ.

وهنا ينبغي أن أؤكّد أنّ الالتزام بالجانب الخُلقيّ للأديان وترك جوانبها الأخرى [أي الشّرائع والأحكام]، لا يمكن على الإطلاق في الإطار الإسلاميّ، إنْ أمكن تنفيذه في إطار الأديان الأخرى.

عمليّة فصل الجانب الخُلقيّ عن جوانب الإسلام الأخرى مُثلة للإسلام ومسخ له، فالإسلام أطروحة منسجمة مترابطة لكلّ جوانب الحياة.

«الجمهوريّة الإسلاميّة»

* كيف يُمكن للجماهير أن تعبّر عن نفسها في ظلّ نظامٍ تحكمه الشريعة الإسلامية؟

مفهوم «الجمهوريّة الإسلاميّة» مركّب من كلمتَين:

كلمة «الجمهوريّة»: تعيّن شكل الحكومة المقترحة.

وكلمة «الإسلاميّة»: تحدّد محتوى هذه الحكومة.

والذين يجدون غموضاً وتناقضاً في كلمة «الجمهوريّة الإسلاميّة» قد اختلط عليهم الأمر، وخالوا أنّ ثمّة تناقضاً بين حقّ السّيادة وحقّ الالتزام بمدرسةٍ فكريّة عمليّة في الحياة. هؤلاء ظنّوا أنّ الإنسان الملتزم بخطٍّ فكريٍّ معيّن، والمناضل من أجل تطبيق مبادئ هذا الخطّ في الحياة الاجتماعيّة، ليس بحرٍّ ولا ديمقراطيّ، ومن خلال هذه المعادلة الوهميّة الخاطئة يستنتجون أنّ الديمقراطيّة سيتهدّدها الخطر؛ إن أضحى النظام إسلاميّاً وأضحت الجماهير تؤمن بالمبادئ الإسلاميّة وتطالب بتطبيقها!!

مسألة الجمهوريّة ترتبط بشكل النظام المؤطَّر بنوعٍ من الديمقراطيّة، أي القائم ضمن إطار إعطاء الأفراد حقّ تقرير المصير، ومفهوم الجمهوريّة هذا لا يعفي الجماهير من التّمسّك بخطٍّ فكريٍّ معيّن والالتزام بمبادئ مدرسة معيّنة.

تُرى، هل تعني الديمقراطيّة أنْ يلتزم كلّ فرد بخطٍّ فكريٍّ خاصّ، أو أنْ يتخلّى جميع الأفراد من أيّ التزام بمدرسةٍ  فكريّة؟؟!

تُرى، هل الإيمانُ بمبادئ قائمةٍ على أساس العلم والمنطق والفلسفة، والتسليمُ لهذه المبادئ يعارض الديمقراطيّة؟؟!

الأكثريّة الساحقة للشعب الإيرانيّ، تؤمن إيماناً راسخاً بمبادئ الإسلام، وليس في هذا الإيمان المطلق ذنب ولا عيب.

لكنّ العيب أنْ تُسلَبَ هذه الأكثريةُ القاطعةُ، من [قِبل] الأقلّية غير المؤمنة، حقَّ النقدِ والمناقشة والاعتراض. وهل هذه الأقلّية الضئيلة المعارضة تتمتّعُ بالحدّ الكافي من الحرّية؟ هذا ما يترك الجواب عليه لأولئك الذين يصرّون على أنّ الدّيمقراطيّة ترادف عدم الالتزام بمدرسةٍ فكريّة!

المهمّ أن يكون الشّعب هو المنفّذ للقانون الذي آمن به وقَبِلَهُ، سواء كان الشعب هو الذي سنّ القانون، أو أن يكون قد سنَّه صاحب مدرسةٍ فكريّةٍ أو مُنظّرٍ قانونيّ، أو أن يكون القانون الذي آمنت به الجماهير قد تلقّته عن طريق الوحي الإلهيّ.

إنّنا نرى الأحزاب تتبنّى إيديولوجيّات معينة ولا تعتبر هذا التبنّي معارضاً لمبادئ الديمقراطيّة، لكنّ المسألة حينما تُطرح على الصّعيد الإسلاميّ، يثير بعضهم شكوكاً وتساؤلات حول إمكان انسجام المفهوم الإسلاميّ مع المفهوم الجمهوريّ.

هذه الشّكوك والشّبهات، تُطرح من لدن أفراد لا يزالون يؤمنون بديمقراطيّة القرن الثامن عشر، التي تحدّد حقوق الإنسان بـإطار مسائل المعيشة، والمأكل، والمسكن، والملبس، وحريّة انتخاب طريقة المعيشة المادّيّة. هذه الديمقراطيّة التي تحذف من دائرة الحقوق الإنسانيّة، مسائل الانتماء الفكريّ والتكامل الإنسانيّ والتّحرّر من سلطة البيئة والغرائز…

الهويّة الوطنيّة لأيّ شعبٍ من الشعوب تتمثّل في التراث الحضاري المتأصِّل في أعماق هذا الشعب. وهذه الهويّة الوطنيّة تتمثّل لدى جماهير الشّعب الإيرانيّ بالإسلام.

الإيرانيّون المنفصلون عن الإسلام، هم في الواقع منفصلون عن الرّوح الحضاريّة للشعب الإيرانيّ.

الجمهوريّة الإسلاميّة تعنى المجتمع الإسلاميّ، والمجتمع التوحيدي القائم على أساس تصوّر إسلاميٍّ للكون والحياة.

التّصوّر الإسلاميّ ينطوي على إيديولوجيّة توحيديّة يعبَّر عنها بالتّوحيد العمليّ، وتعني بلوغ الإنسان درجة التّوحيد الأخلاقيّ والتّوحيد الاجتماعيّ.

دأب رسول الله، صلّى الله عليه وآله، أن يتوّج رسائله إلى الشّخصيات العالميّة بالآية الكريمة: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ.. ﴾ آل عمران:64.

جملة: ﴿..تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ..﴾: تعني التوحيد النظري.

وجملة: ﴿..أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ..﴾: تعني التّوحيد العمليّ الفرديّ.

وعبارة: ﴿..وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ..﴾: تؤكّد التوحيد العمليّ الاجتماعيّ، المقارن للحرّية والديمقراطيّة بأعمق أشكالهما.

الحرّيّة في التّحرّر من الرّغبات، لا من الإرادة

* ما هو مفهوم «الحريّة الفرديّة»، و«الديمقراطية» في الإسلام؟

الحريّة الفرديّة والديمقراطيّة موجودتان في الإسلام مع فارقٍ بين النّظرة الإسلاميّة والنظرة الغربيّة لمفاهيم الحريّة والديمقراطيّة، كما سنوضح ذلك.

من هنا نفهم أنّ إضافة كلمة «الديمقراطيّة» إلى (الجمهوريّة الإسلاميّة) تحشية زائدة.

عبارة «الجمهوريّة الإسلاميّة الديمقراطيّة» تعني أنّ النّظام يستند إلى أساسَين: الإسلام والديمقراطيّة، وهذه الازدواجيّة قد توهم أنّ الحرّيّات والحقوق الفرديّة والديمقراطيّة تنبثق من الأساس الديمقراطيّ للنظام، لا من الأساس الإسلامي. بينما أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشّخصيّة تنبثق من الأساس الإسلاميّ للنظام.

نحن نريد أن نؤكّد خلاف ذلك. والسّبب واضح:

أوّلاً: لأنّ الصّفة الإسلاميّة تنطوي على الحرّيّات الفرديّة والديمقراطيّة.

ثانياً: لأنّ الحرّيّات الديمقراطيّة بمفاهيمها الغربيّة تختلف اختلافاً جذرياً مع مفاهيم الحرّيّات الإسلاميّة. وهذا الاختلاف الجذريّ، لا يمكن أن نتجاهله في بناء مجتمعنا الإسلاميّ.

الفلسفة الغربيّة تذهب إلى أنّ الحرية ناشئة من رغبات الإنسان وميوله. وهذه الفلسفة لا تفرّق بين «إرادة» الإنسان و«ميوله». وتنظر إلى الفرد باعتباره موجوداً ذا ميول ورغبات؛ هي منشأ حريّته في ظلّ النّظام الذي يريده. حرّيّة الفرد لا يحدّها شيء - في نظر فلاسفة الغرب - سوى حرّيّة رغبات الآخرين.

الحرّيّة بهذا المعنى المشهور في الغرب هي أساس الديمقراطيّات الغربيّة، وهي ليست في الواقع سوى نوع من الحيوانيّة مطلقة العنان.

التّفسير الغربيّ لمنشأ الحرّيّة، لا يستطيع أن يميّز بين حرّيّة الإنسان وحرّيّة الحيوان. الموجود البشريّ مع حيوانيّته إنسان ومع إنسانيّته حيوان.

الكائن البشريّ يتمتع بملَكات سامية هي مِلاك إنسانيّته؛ ومن مظاهر هذه الملَكات، التّفكير المنطقيّ (لا كلّ ما يسمّى تفكيراً)، والميول السّامية (كالميل نحو اكتشاف الحقائق، ونحو الخير الخُلقي، ونحو الجمال، ونحو عبادة الحقّ..).

الكائن البشريّ، موجود تنطوي طبيعته على قطبَين متناقضَين هما العقل والنّفس، أو الرّوح والجسم، ومن المستحيل أن يستطيع الإنسان الانطلاق بحرّيّةٍ تامّة على كِلا الخطّين المتناقضَين. التقدّم على أحد الخطَّين يؤدّي بالضرورة إلى تحديد الانطلاق الحرّ على الخطّ الآخَر.

لو طرحنا على حُماة الديمقراطيّة الغربيّة هذا السؤال: أليس للإنسان صراط مستقيم يؤدّي به إلى التكامل الرّوحيّ؟ إذا كان جوابهم إيجابيّاً لاستلزم أن يقبلوا ضرورة وجود مراقبة وتوجيه لصيانة الإنسان من الانحراف عن هذا الصّراط المستقيم.. ولكنّ جوابهم سلبيّ، أي إنّهم يرفضون وجود مثل هذا الصّراط، ويعتبرون ميول الإنسان ورغباته هي التي تحدّد معالم مسيرته.

الديمقراطيّة الإسلاميّة تقع في النقطة المقابلة لهذا النوع من الديمقراطيّة والحرّيّة، [فهي] تقوم على أساس حرّيّة الإنسان. لكنّ هذه الحرّيّة لا تعني إطلاق عنان شهواته، بل تعني كسر جميع القيود والأغلال التي تحدّ الإنسان من الانطلاق على طريق إنسانيّته، مع تأطير دوافعه الحيوانيّة وتحديدها.

لأضرب مثالاً على الفرق بين الحرّيّة في مفهوم الديمقراطيّة الغربيّة والحرّيّة في المفهوم الإسلاميّ، وأترك الحكم لك كي ترى أيّ الحريّتَين هي الواقعيّة والحقيقيّة.

يذكر التّاريخ أنّ الملك «كورش» - مؤسّس أوّل إمبراطوريّة إيرانيّة - حين فتح بابل، ترك أهلها أحراراً في عقائدهم وعباداتهم. ترك عبَدة الأوثان يلوذون بأصنامهم، وعبَدة الحيوانات يتمسّحون بأنصابهم، دون أن يفرض عليهم أيّ حدود أو قيود. وكورش هذا يُعتبر في معيار الغرب أحد روّاد الحرية في التّاريخ. إذ إنّه احترم ميول الناس ورغباتهم.

والتاريخ ذكر لنا أيضاً موقف النّبيّ إبراهيم الخليل، عليه السّلام، من معتقدات شعبه؛ كان نبيّ الله إبراهيم عليه السّلام يرى في هذه المعتقدات المنحطّة قيوداً وسلاسل تكبّل الأفراد. فهل كان موقفه تجاه معتقدات قومه، موقف عدم الاحترام فحسب؟ [أم] موقف المحطِّم للأصنام والآلهة الكاذبة، وموقف المنبّه لهم بزيف هذه الأصنام وخوائها حين عمد إلى وضع الفأس في عُنق كبير الأصنام؟

عملُ إبراهيم عليه السّلام - في معيار الديمقراطيّة الغربيّة - عمل عدوانيّ مخالف لمبادئ الحرّيّة. إذ إنّ إبراهيم عليه السّلام كان ينبغي أن يدع قومه أحراراً في ما يعبدون ويعتقدون. غير أنّ منطق الأنبياء يختلف عن منطق الإنسان الغربيّ المعاصر.

خذ مثالاً آخَر من عمل النّبيّ، صلّى الله عليه وآله حين ورد مكّة، هل ترك أهل مكّة يلوذون بـ «اللّات» و«هُبَل» ويعكفون على أصنامهم؟ أم إنّه عمد إلى تحطيم الأصنام ليحرّرهم من إِصْرهِم والأغلالِ التي كانت عليهم، وليهَب لهم الحرّيّة الحقيقيّة؟

الحرّيّة والدّيمقراطية تقومان - في نظر الإسلام - على أساس ما يفرضه التّكامل الإنسانيّ للموجود البشريّ. الحرّيّة حقٌّ للإنسان بما هو إنسان، حقٌّ منبثق من المؤهّلات الإنسانيّة للإنسان، لا من ميوله وأهوائه.

الديمقراطيّة - في نظر الإسلام - تعني الإنسانيّة المنطلقة، بينما تعني - في قاموس الغرب - حيوانيّة منطلقة.

*

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات