أحسن الحديث

أحسن الحديث

06/04/2016

موجز في تفسير سورة «المزّمّل»


موجز في التّعريف بسورة المُزَّمِّل

قيامُ اللّيل، وتلاوةُ القرآن، والتَّبَتُّل

ــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــ

* السورة الثالثة والسبعون في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «القلم». 

* سُمّيت بـ «المزّمل» لابتدائها بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾.

* آياتها عشرون، وهي مكّيّة، مَنْ قرأها «رُفِعُ عَنْهُ العُسْرُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ»، كما في الحديث النبويّ الشريف.

* ما يلي موجز في تفسير السورة المباركة اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين) للشيخ عبد علي الحويزي رحمه الله، و(الميزان) للعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ رحمه الله، و(الأمثل) للمرجع الدينيّ الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ.

 

أصلُ «المُزَّمِّل» المُتزمِّل، وهو اسم فاعل من «التزمُّل» بمعنى التلفُّف بالثوب، وفي الروايات أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان قد تزمّل بثوبٍ للنوم فنزل عليه الوحي وخُوطب بـ«المزّمّل». ويستفاد من سياق الآيات أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان قد قُوبل في دعوته بالهزء والسخرية والإيذاء، فاغتمّ في الله، فتزمّل بثوبٍ لينام دفعاً للهمّ، فخُوطب بـ«المزّمِّل»، وأُمر بقيام الليل، والصلاة فيه، والصبر على ما يقولون. فأُفيد بذلك أنّ عليه أن يقاوم الكُرَبَ العِظام والنوائب المُرّة بالصلاة، والصبر.

محتوى السورة

تأمر السورة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بقيام الليل والصلاة فيه ليستعدّ بذلك لتلقّي ثِقل ما سيُلقى عليه من القول الثقيل والقرآن الموحى إليه، وتأمره أن يصبر على ما يقولون فيه من أنّه «شاعر» أو «كاهن» أو «مجنون» إلى غير ذلك، وأن يهجرهم هجراً جميلاً.

وفيها وعيد وإنذار للكفّار وتعميم الحكم لسائر المؤمنين، وفى آخرها تخفيفٌ ما للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والمؤمنين. ويتلخّص محتواها في خمسة أقسام:

القسم الأوّل: الآيات الأولى للسورة والتي تأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بقيام الليل والصلاة فيه، ليستعدّ بذلك لنقل ما سيُلقى عليه من القول الثقيل.

القسم الثاني: أمره صلّى الله عليه وآله وسلّم بالصبر والمقاومة ومداراة المخالفين.

القسم الثالث: بحوث حول المعاد، وإرسال النبيّ موسى عليه السلام إلى فرعون وذكر عذابه الأليم.

القسم الرابع: فيه تحفيفٌ لما ورد في الآيات الأولى من الأوامر الشديدة عن قيام اللّيل، وذلك بسبب محنة المسلمين والشدائد المحيطة بهم.

القسم الخامس: وهو الأخير من السورة، يعود ليدعو إلى تلاوة القرآن وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والإنفاق في سبيل الله والاستغفار.

ثواب تلاوتها

* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «مَنْ قَرَأَ سورَةَ المُزَّمِّلِ رُفِعَ عَنْهُ العُسْرُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ».

* وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «مَنْ قَرَأَ سورَةَ المُزَّمِّلِ في العِشاءِ الآخِرَةِ، أَوْ في آخِرِ اللَّيْلِ كانَ لَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ شاهِدَيْنِ مَعَ السورَةِ، وَأَحْياهُ اللهُ حَياةً طَيِّبَةً وَأَماتَهُ مِيتةً طَيِّبَةً».

تفسير آيات منها

قوله تعالى: ﴿..وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾ الآية:4.

* سئل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى «الترتيل» في الآية فقال: «قالَ أَميرُ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ: بَيِّنْهُ بَياناً وَلا تَهُذَّهُ هَذَّ الشِّعْرِ وَلا تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ، وَلَكِنِ أَفْزِعوا قُلوبَكُمُ القاسِيَةَ، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ».

* وعنه عليه السلام: «هُوَ أَنْ تَتَمَكَّثَ فيهِ وَتُحَسِّنَ بِهِ صَوْتَكَ».

* وعنه عليه السلام أيضاً: «إِنَّ القُرْآنَ لا يُقْرَأُ هَذْرَمَةً [الهذرمة: السّرعة في القراءة]، وَلَكِنْ يُرَتَّلُ تَرْتيلاً، فَإِذا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فيها ذِكْرُ الجَنَّةِ فَقِفْ عِنْدَها وَاسْأَلِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الجَنَّةَ، وَإِذا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فيها ذِكْرُ النّارِ فَقِفْ عِنْدَها وَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ النّارِ».

قوله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ الآية:6.

* الإمام الصادق عليه السلام في معنى ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾: «قِيامُ الرَّجُلِ عَنْ فِراشِهِ يُريدُ بِهِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُريدُ بِهِ غَيْرَهُ».

* في (الكافي) للكليني عن المعصوم عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾، أنّه قال: «هِيَ رَكْعَتانِ بَعْدَ المَغْرِبِ:

يَقْرَأُ في أَوَّلِ رَكْعَةٍ بِـ: فاتِحَةِ الكِتابِ./ وَعَشْرٍ مِنْ أَوَّلِ البَقَرَةِ./ وَآيَةِ السُّخْرِة. [الأعراف: 54-56] /  وَمِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. ﴾ إلى قَوْلِه: ﴿.. لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:163-164] / وَخَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

وَفي الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ [يقرأ]: فاتِحَةَ الكِتابِ. / وَآيَةَ الكُرْسِيِّ./ وَآخِرَ البَقَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ..﴾، إِلى أَنْ تَخْتِمَ السّورَةَ. [البقرة:284-286] / وَخَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

ثُمَّ ادْعُ بَعْدَها بِما شِئْتَ؛ وَمَنْ واظَبَ عَلَيْهِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ صَلاةٍ سِتُّمِئَةِ أَلْفِ حِجَّةٍ».

قوله تعالى: ﴿..وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ الآية:8.

* عن الإمام الباقر عليه السلام: «أَخْلِصِ النِّيَّةَ إِخْلاصاً».

* والإمام الكاظم عليه السلام: «التَّبَتُّلُ: أَنْ تُقَلِّبَ كَفَّيْكَ في الدُّعاءِ إِذا دَعَوْتَ».

قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ الآية:10.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: «..وَما زالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَتَأَلَّفُهُمْ، [أي المنافقين] وَيُقَرِّبُهُمْ، ويُجْلِسُهُمْ عَن يَمينِهِ وَشِمالِهِ حَتَّى أَذِنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ في إِبْعادِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾».

قوله تعالى: ﴿.. فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ..﴾ الآية:20.

عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير الآية، أي فاقرأوا: «مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ لَكُمْ فِيهِ خُشُوعُ القَلْبِ وَصَفاءُ السِّرِّ».

قوله تعالى: ﴿..وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا..﴾ الآية: 20.

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ القرضَ الوارد في الآية: «هُوَ غَيْرُ الزَّكاةِ».

 

ثِقْلُ القرآن

قال العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾:

«الثقل كيفية جسمانية؛ من خاصّته أنّه يَشقّ حملُ الجسم الثقيل ونقله من مكان إلى مكان، وربما يُستعار للمعاني إذا شقّ على النفس تحمُّلها أو لم تُطقْها، فربّما أُضيف الثقل إلى القول من جهة معناه، فعُدّ ثقيلاً لتضمّنه معنًى يشقّ على النفس إدراكُه، أو لا تُطيق فهمَه، أو تتحرّجُ من تلَقّيه، كدقائق الأنظار العلمية إذا أُلقيت على الأفهام العامّة، أو لتضمّنه حقائق يصعب التحقّق بها، أو تكاليف يشقّ الإتيان بها والمداومة عليها.

والقرآن قولٌ إلهيّ ثقيلٌ بكِلا المعنيَين:

* أمّا من حيث تلقّي معناه، فإنّه كلامٌ إلهيٌّ مأخوذٌ من ساحة العظَمة والكبرياء، لا تتلقّاه إلّا نفسٌ طاهرة من كلّ دَنَس منقطعةٌ عن كلّ سببٍ إلّا الله سبحانه، وكتابٌ عزيزٌ له ظهرٌ وبطنٌ وتنزيلٌ وتأويل، تبياناً لكلّ شيء، وقد كان ثِقلُه مشهوداً من حال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بما كان يأخذه من البرحاء وشبه الإغماء على ما وردت به الأخبار المستفيضة.

* وأمّا من حيث التحقّق بحقيقة التوحيد وما يتبعها من الحقائق الاعتقادية، فكفى في الإشارة إلى ثِقله قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الحشر:21، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى..﴾ الرعد:31.

* وأمّا من حيث القيام بما يشتمل عليه من أمر الدعوة وإقامة مراسم الدين الحنيف، واظهاره على الدين كلّه فيشهد به ما لقيَ صلّى الله عليه وآله وسلّم من المصائب والمِحن في سبيل الله... من المشركين والكفّار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض من أنواع الايذاء والهُزء والجفاء».

(تفسير الميزان: 20/61، مؤسسة النشر الإسلامي)

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

07/04/2016

دوريات

نفحات