الحُجّةُ
البالغة
أحوالُ الإمام، اختبارٌ للخَلق
___ الشّيخ محمد حسين المُظفَّر
___
العلّامة
الشّيخ محمّد حسين المظفّر (ت: 1381 للهجرة)،
من أبرز الوجوه العلميّة المعاصرة في النّجف الأشرف، له عدّة مؤلّفات قيّمة
أبرزها: (حياة الإمام الصّادق عليه السّلام)، و(فهارس رياض السّالكين، شرح
الصّحيفة السّجّاديّة). هذا النّصّ مختصَر عن كتابه (عِلمُ الإمام من طريقَي العقل
والنّقل).
إنّ
البرهان العقليّ دلّ - نظراً لحاجة النّاس الماسّة إلى وجود الهادي المُصلِح
العادل بين ظهرانيهم، وما يتطلّبه صالحُ أمورهم في الدّارين- على أنّ الله تعالى تلطَّفَ بالعباد فجعلَ
فيهم مَن يكونُ العالِمَ بالكائنات كافّة، والعلوم، والمُتَحلّي بأبراد الكمال كلّها،
حتّى يكونَ الفردَ الأوحدَ في عصره، الصّالحَ للنّهضة بالإرشاد والهداية للعالَم،
والمضطلعَ بهذا العبء الباهظ، حتّى لو كانت له الهيمنةُ على الأرض برُمّتها
لاستطاعَ أن يدبّر شؤونها أحسنَ إدارة، ويدبّر أمورَها أجمل تدبير، كما يقوى على خَصْمِ
كلّ مُحاجِجٍ بالقوّة البيانيّة والآيات الفعليّة، ويستطيعُ الجوابَ عن مسألة كلّ
سائل، بالكشف عن الحقيقة، وإماطة السّتار عن الواقع، ليكون حقّاً هو الحجّةَ
البالغةَ من الخالق على الخَلق، والهادي لهم بعد الرّسول المنذر صلّى الله عليه
وآله.
وقعودُ
النّاس عن معرفة تلك الحجّة البالغة، أو سلوكُهم في غير سبيلِه، بعد سطوع نَهجِه، ووضوح
أمرِه، لا يُنقِصُ من شأنه، ولا يُبطلُ حجّتَه، ولا يُفسِد المصلحةَ التي من أجلها
اختِير وجُعل إماماً، ومن جرّائها اصطُفي وانتُخب.
وعدمُ
إظهاره أو تظاهرِه بذلك العلم المخزون والفيض الغَمر - حذراً من عدم قبوله أو عدم
احتماله، أو خشيةً من العدوّ الحاسد وبَطشِه - لا يكون ذلك شاهداً على عدم الوجدان
لذلك العِلم، أو عدم سعتِه، وما تحمُّلُ الإمام للمصائب والنّوائب، وهو القديرُ
على دفْع ما مُنِيَ به، إلّا لتأكُّد الحجّة على الخلق، مع ما له من الحُجَج البالغة،
وإلّا لِدفْع أوهام الغُلاة، ومزاعم المُفرطين في الحبّ، الذين يُلبِسونَ الإمامَ
أبرادَ الألوهيّة.
وقد
كشف عن هذه الغامضة السّفيرُ الجليل الحسين بن روح، وقد سألَه سائلٌ: أخبرني عن
الحسين بن عليّ، عليهما السّلام، أَهُوَ وليُّ الله؟ قال: نعم. قال الرَّجل:
أخبرني عن قاتلِه، لعنه الله، أَهُوَ عدوّ الله؟ قال نعم. قال الرّجل: فهل يجوزُ
أن يسلّطَ اللهُ تعالى عدوَّه على وليّه؟
فقال
له ابنُ روح: إفهم عنّي ما أقول لك: إنّ الله تعالى ".."
يبعثُ إلى النّاسِ رُسُلاً من أجناسِهم وأصنافِهم بشَراً مثلهم، ولو بعثَ إليهم رُسلاً
من غير صنفِهم وصُورِهم لنَفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم، فلمّا جاؤوهم وكانوا من
جنسِهم يأكلون الطّعام، ويَمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم بشرٌ مثلنا لا نقبلُ
منكم حتّى تأتونا بشيءٍ نعجز أن نأتيَ بمثله، فنعلمَ أنّكم مخصوصون دوننا بما لا
نقدر عليه. فجعل اللهُ عزّ وجلّ لهم المعجزاتِ التي تعجزُ الخلقُ عنها ".."
فلمّا أتَوا بمثل ذلك وعجز الخلقُ من أُممِهم عن أن يأتوا بمثلِه، كان من تقدير
الله تعالى ولُطفِه بعباده وحكمتِه، أن جعلَ الأنبياء عليهم السّلام مع هذه
المعجزات في حالٍ غالبين وفي حالٍ مَغلوبين، وفي حالٍ قاهرين وفي حالٍ مقهورين، ولو
جعلَهم اللهُ تعالى في جميع أحوالِهم غالبين وقاهرين ولم يَبتَلِهم، ولم يَمتَحِنْهم،
لاتّخذهم النّاسُ آلهةً من دون الله تعالى، ولمَا عُرِفَ فضلُ صَبرِهم على البلاء
والمِحَن والاختبار ".."
ولِيَعلمَ العبادُ بأنّ لهم إلهاً هو خالقُهم ومدبّرُهم، فيَعبدوه ويُطيعوا رُسُلَه،
وتكون حجّةُ الله ثابتةً على مَن تجاوز الحدَّ فيهم، وادّعى الرّبوبيّة لَهم ".."
﴿..لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ..﴾
الأنفال:42.