قواعد الاشتباك
____ جوزف الهاشم* ____
وَلَربَّما انْتَفَعَ الفتى بعدوِّهِ والسُّمُّ أحياناً يكونُ شفَاءَ
بيتٌ من الشّعر، هو ما سمعناه بلغة النّثر في الاحتفال
الخطابي الذي يصف فيه سيّد المقاومة عمليّة شهداء القنيطرة بأنّها عمليّة «جميلة»،
بالرّغم من عُمق ما بلغت من أسىً على الصعيد العاطفي.
وبصرف النّظر عن الخصائص الاستشهاديّة في «الذّات الشيعيّة
الدينيّة»، فلا أظنّ أنّ الناحية «الجماليّة» التي عناها السّيّد حسن نصر الله في
عمليّة القنيطرة، تقتصر على عمليّة الردّ الظافر عليها من مزارع شبعا، بقدر ما
يصحّ أن تنبثق منها أبعادٌ جمالية أخرى، أقلّها:
1- تجميل قواعد الاشتباك على الصّعيد اللّبناني.
2- تحقيق خطى متقدّمة في مجال الحوار السنّي - الشّيعي.
3- تعزيز وحدة الموقف
الوطني والإسلامي والعربي فـي مواجهة الجماعات التكفيريّة التي وصفها السيّد عن حقّ،
بأنّها «الحليف الطّبيعي لإسرائيل».
هذا يعني أنّ السّيد، بما يمتلك من شكيمة الأقوياء،
وحِبْر العلماء، مؤهّلٌ هو دون غيره لتفعيل هذه «الجماليّات» بوحيٍ من الخطّ الرّساليّ
الذي طيَّبه أهلُ البيت عليهم السّلام بالتّضحيات الجلائل، وبما يعنيه الشّعار
[حديث أمير المؤمنين عليه السلام]: «...لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ».
أنا أعرف أنّ التاريخ الأمويّ يُعيد نفسه مع هذا المولود
الذي اسمه «دولة إسلاميّة في العراق والشام» بما يحمل ذلك التاريخ من انحرافات
دينيّة لم تتهيّب تشويه المعنى القرآنيّ وتزوير الحديث النّبويّ.
وهذا يعني أنّ الرسالة بكلّ حيثيّاتها الرّوحيّة
والإنسانيّة باتت... تجنح نحو... التشويه، وتُستغلّ ضحيّة (مزْجها) العنيف بأغراض
سلطة تكفيريّة جائرة.
إنَّ ذلك الالتباس الإسلاميّ الخِلافيّ، الذي يخبو في
ثنايا التاريخ، يظلّ مادّة ملتهبة تفجّرها الأيدي الخارجيّة في صغائر العقول
وأهواء النّفوس، ولم تُفلح الدّعوات الهاديات التي أطلقها روّاد الإصلاح في العصر
الحديث، فضاعت صرخة جمال الدين الأفغاني، ومحمّد عبده... في متاهات التّخلّف
والتعصّب والجهل، «وظلّ الإسلام محجوباً بالمسلمين»... «وبالصّراع الذي تغذّيه دول
الاستعمار بين السّنّة والشّيعة«.
أنا لا أخشى القول: إنَّ هذا الواقع الشّديد الخطورة،
يكاد يشبه ذلك السياق التاريخي الذي تدرّج متضخّماً في مرحلة ما قبل كربلاء، ولكنّني
أخشى أن يصل معي الاستنتاج الى قيام عاشوراء جديدة لتصحيح المسار الدّيني.
ولكن، ماذا لو أنَّ السّيد الذي هو اليوم في طليعة
الوجوه الإسلاميّة العربيّة وأقواها تفوّقاً، قد تمكّن من ترويض قرون الفتنة
وتطبيع قواعد الاشتباك، أَفَلا يَعِدُنا هذا بانتصارٍ إلهيٍّ في لبنان؟ يكون به
وحده الانتصار التّاريخي للعرب والمسلمين؟
______________________
* وزير لبناني سابق.