صلاةُ المودِّع
ــــــــــــــــ السيّد ابن طاوس قدّس
سرّه ـــــــــــــــــــــــ
ورد في الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلّى
الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، أنّ من لوازم المحافظة
على الصلاة الفريضة أداؤها مشفقاً من خوفِ ألّا يوفّق لمثلها مجدداً، فلا يستثقل
الدخول فيها ولا يستعجل الخروج منها.
هذا النصّ من كتاب (فلاح السائل) لسيّد
العلماء المراقبين السيّد ابن طاوس قدّس سرّه يتناول هذه الفكرة بشيء من التفصيل.
من مهمّات الذي يريد صلاةَ الفريضة أن يصلّيها
صلاة مودِّعٍ خائفٍ على أنّه لا يقدر على مثلها، مغتنماً لشرف محلّها وتُحف فضلها.
قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «يَا عَبْدَ اللهِ، إذا صَلَّيتَ صَلاةَ فَريضَةٍ
فَصَلِّها لِوَقتِها صَلاةَ مُوَدِّعٍ يَخافُ أن لا يَعودَ إلَيها أبدًا..».
ومن مهمّات الذي يريد الصلاة ألّا يدخلها
كارهاً ويخرج عنها مستقيلاً، فإنّ الله جلَّ جلاله يقول عن بعض مَن خَيَّب آمالهم ومحى
إقبالهم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾
محمد:9.
ومن جملة ما أنزل الله جلَّ جلاله ذِكرَ
الصلاة، فلا تكن من الكارهين فتكون من الهالكين. وإيّاك أن تقبل قول مَن يقول لك إنّها
تكليف، والتكليف ثقيل على القلوب. فإنّ هذا القول بعيد من رضى علّام الغيوب. أيقول
هو جلَّ جلاله: ﴿..حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ
إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ الحجرات:7، فتردّ أنت عليه هذا القول المقدّس الصريح
وتقول – بهتاناً - بخلاف ذلك؟!
يريد منك الله جلّ جلاله أن تحبّه، وتدّعي
أنّك قد أحببته، ومع ذلك تكره خدمته والتقرّب إليه! فهل يصحّ في العقل أن يستثقل المُحبّ
العمل في طلب رضا محبوبه، أو يكره شيئاً ممّا يقرّبه إليه؟ وقد ورد النقل مزكّياً للعقل
في ما أشرتُ إليه، فمن ذلك ما رُوي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «مَا أَحَبَّ
اللهَ مَنْ عَصَاهُ».
ومن ذلك أيضاً ما رُوي عنه عليه السلام
في رجلَين يزعمان أنّهما من محبّيه، ولم يمتثلا لبعض ما أمرهما به مراراً، فقال
الصادق عليه السلام فيهما: «.. فَوَالله لَكُثَيِّرُ عَزَّةَ أَصْدَقُ فِي مَوَدَّتِه
مِنْهُمَا فِيمَا يَنْتَحِلَانِ مِنْ مَوَدَّتِي.. أَمَا وَاللهِ لَوْ أَحَبَّانِي
لأَحَبَّا مَنْ أُحِبُّ».
فإيّاك والمغالطة بالمعاذير الباطلة التي
لا تنفعك عند مَن يعلم السرائر إذا حاسبك عليها، وأنت قائم بين يديه مكشوف الرأس بمحضر
الأوّلين والآخرين.
وأمّا استقالتك منها بطلب تعجيل الخروج
عنها.. ليت شعري إلى أين تخرج؟ هل تستقيل من سعادتك لتخرج إلى غفلتك وشقاوتك؟
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال:
«إِذَا قَامَ الْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَخَفَّفَ صَلَاتَه، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ
وتَعَالَى لِمَلَائِكَتِه: أمَا تَرَوْنَ إِلَى عَبْدِي كَأَنَّه يَرَى أَنَّ قَضَاءَ
حَوَائِجِه بِيَدِ غَيْرِي، أمَا يَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَ حَوَائِجِه بِيَدِي؟».
وعنه عليه السلام: « والله إِنَّه لَيَأْتِي عَلَى الرَّجُلِ
خَمْسُونَ سَنَةً ومَا قَبِلَ الله مِنْه صَلَاةً وَاحِدَةً، فَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ
مِنْ هَذَا؟..».
فإذا سلِم العبد من هذه الأخطار وكان عبداً
مؤمناً مصدّقاً سليم القلب، ذاكراً أنّه بين يدي مالكٍ عزيزٍ عظيم، قد أخجلَه بكثرة
المراحم والمكارم والمبارّ، فيوشك أن يكون حاله عند الصلاة كما رُوي عن أبي جعفر الباقر
عليه السلام، قال: «قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: إِذَا قَامَ
الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فِي صَلَاتِه نَظَرَ اللهُ إِلَيْه.. حَتَّى يَنْصَرِفَ، وأَظَلَّتْه
الرَّحْمَةُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِه إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ ".." ووَكَّلَ
اللهُ بِه مَلَكاً قَائِماً عَلَى رَأْسِه، يَقُولُ لَه: أَيُّهَا الْمُصَلِّي لَوْ
تَعْلَمُ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ومَنْ تُنَاجِي مَا الْتَفَتَّ ولَا زِلْتَ مِنْ مَوْضِعِكَ
أَبَداً».
(بتصرّف)