الإمام
الصادق عليه السلام:
مَن اتّبع هواه وأُعجب برأيه كان كرجلٍ سمعتُ
غُثاءَ العامّة تعظّمه
ــــــــــــــــــــــــــ
رواية الشيخ الصدوق*ــــــــــــــــــــــــــ
قال
جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، في قوله عزّ وجلّ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾،
قال: يقول أَرشِدْنا إلى الصراطِ المستقيمِ، أَرشِدْنا لِلُزومِ الطريقِ المؤدّي
إلى محبّتِك، والمُبلِغ إلى دينِك، والمانعِ من أنْ نتّبعَ أهواءَنا فنَعطَب، أو
نأخذَ بِآرائِنا فنَهلَك.
ثمّ
قال عليه السلام: فإنّ مَن اتّبع هواه وأُعجِب برأيه كان كرجلٍ سمعتُ غُثاءَ
العامّة تعظّمه وتصفهُ، فأحببتُ لقاءَه من حيث لا يعرفني، لأنظر مقداره ومحلّه،
فرأيتُه قد أحدَق به خلقٌ من غُثاء العامّة. فوقفتُ منتبذاً عنهم متغشّياً بلثامٍ
أنظر إليه وإليهم، فما زال يُراوغهم حتّى خالفَ طريقَهم وفارقَهم ولم يقرّ، فتفرّقت
العوامُّ عنه لِحوائجِهم، وتبعتُهُ أقتفي أثرَه.
فلم
يلبث أنْ مرّ بخبّازٍ فتغفّله فأخذَ من دكّانه رغيفَين مُسارقة، فتعجّبتُ منه، ثمّ
قلت في نفسي: لعلّه معاملة.
ثم
مرّ بعده بصاحبِ رمّان، فما زال به حتّى تغفّلهُ فأخذ من عنده رمّانتَين مسارقة،
فتعجّبتُ منه، ثمّ قلت في نفسي: لعلّه معاملة. ثمّ أقول: وما حاجته إذاً إلى
المسارقة؟
ثمّ
لم أزل أتبعه حتى مرّ بمريضٍ فوضع الرغيفَين والرمّانتَين بين يديه ومضى، وتبعتُه
حتى استقرّ في بقعةٍ من الصحراء، فقلت له: يا عبدَ الله، لقد سمعتُ بكَ وأحببتُ
لقاءَك، فلقيتُك ولكنّني رأيتُ منكَ ما شغلَ قلبي! وإنّي سائلُكَ عنه ليزولَ به
شغلُ قلبي.
قال:
ما هو؟
قلت:
رأيتك مررتَ بخبّازٍ وسرقتَ منه رغيفين، ثمّ بصاحبِ الرمّان وسرقتَ منه رمّانتين!
قال:
فقال لي: قبل كلّ شيء حدّثني من أنت؟
قلت:
رجلٌ من وُلدِ آدم عليه السلام من أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال:
حدّثني مَمّن أنت؟
قلت:
رجلٌ من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال:
أين بلدُك؟
قلت:
المدينة.
قال:
لعلّك جعفرُ بن محمّدِ بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهم).
قلت:
بلى.
فقال
لي: فما يَنفعكَ شرفُ أصلِكَ مع جهلك بما شُرِّفتَ
به، وتركِكَ علمَ جدّك وأبيك لئلّا تُنكر ما يجب أن يُحمَد ويُمدَح عليه فاعله؟!!
قلت:
وما هو؟
قال:
القرآن كتاب الله!
قلت:
وما الذي جهلتُ منه؟
قال:
قول الله عزّ وجلّ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا..﴾، وأنّي لمّا سرقتُ الرغيفَين
كانت سيّئتَين، ولمّا سرقتُ الرمانتَين كانت سيّئتَين فهذه أربع سيّئات، فلمّا تصدّقتُ
بكلّ واحدٍ منهما كان لي بها (أربعون) حسَنة، فانتقصَ من أربعين حسنة أربعٌ بأربعِ
سيّئات، بقيَ لي ستٌ وثلاثون حسنة.
قلت:
ثكلتكَ أمُّك! أنت الجاهلُ بكتابِ الله، أمَا سمعتَ أنّه عزّ وجلّ يقول: ﴿..إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾؟ إنّك لمّا سرقتَ رغيفَين كانت سيّئتَين،
ولمّا سرقتَ رمّانتَين كانت أيضاً سيّئتين، ولمّا دفعتَهما إلى غير صاحبَيهما بغيرِ
أمرِ صاحبَيهما كنتَ إنّما أضفتَ أربعَ سيئاتٍ إلى أربعِ سيئات، ولم تُضِف أربعين
حسنةً إلى أربع سيّئات... فجعلَ يُلاحِظُني.. فانصرفتُ وتركتُه.
قال
الصادق عليه السلام: بمثل هذا التأويل القبيحِ المستَكرَهِ يَضِلّون ويُضِلّون...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
(معاني الأخبار، مؤسسة النشر الإسلامي)