كتاب (ربيع الأبرار ونصوص
الأخبار)
للزمخشري صاحب (تفسير الكشاف)
____المرجع الديني الراحل
السيد محمد هادي الميلاني____
جار الله محمود بن عمر الزمخشري (467 –
538 للهجرة). تنقّل في بلاد كثيرة ليتلقّى العلم والآداب حتّى أصبح إماماً في
التفسير، والنّحو، واللّغة، والأدب، متفنّناً في علوم شتّى حتّى طارت شهرته في
الآفاق. وكان شديد الإنكار على المخالفين للمعتزلة من أهل السنّة، جريئاً في
الطّعن عليهم في مؤلّفاته وأشعاره. وكان محبّاً لآل الرّسول صلّى الله عليه وآله. ترك
تآليف ومصنّفات كثيرة، منها كتاب (ربيع الأبرار ونصوص الأخبار) وهو مرتّب على
ثمانٍ وتسعين باباً. صنّفه بعد أن صنّف تفسيره (الكشّاف عن حقائق التّنزيل) وهذه
مختاراتٌ من الكتاب المذكور حسبما جاء في موسوعة (قادتنا كيف نعرفهم ج5/385) للسيد
هادي الميلاني:
* قال في الباب الأوّل: «ليلة الغدير معظّمة عند الشّيعة، محياة
فيهم بالتهجّد، وهي اللّيلة التي خطب فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
بغدير خمّ على أقتاب الإبل، وقال في خطبته: (من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)».
وقال: «ليلة الهرير: ليلة من ليالي صفّين كثر فيها القتلى،
كلّما قتل عليّ رضي الله عنه قتيلاً كبّر فبلغت تكبيراته سبع مائة، وصارت مثلاً في
الشدّة».
وقال: «قال عليّ رضي الله عنه: (واللهِ لَدنياكم أهونُ في
عيني من عرق [عظم] خنزير في يد مجذوم)».
* وقال في الباب الرّابع: «كان عليّ يخرج في الشّتاء والبرد
الشّديد في إزار ورداء خفيفين. وفي الصّيف في القباء المحشو، والثّوب الثّقيل لا
يبالي، فقيل له: فقال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم خيبر حين
أعطاني الرّاية، وكنت أرمد، فتفل في عيني: اللّهم اكفه الحرّ والبرد فما آذاني بعد
حرّ ولا برد)».
* وقال في الباب الخامس: «قال عليّ رضي الله عنه: (لقد رأيت
عقيلاً وقد أملق، حتّى استماحني من بُرّكم صاعاً، ورأيت صبيانه شعثَ الألوان من
فقرهم كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكّداً، وكرّر عليّ القول مردّداً
فأصغيتُ إليه سمعي، فظنّ إنّي أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميتُ له
حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحرَق
من مسّها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئنّ من حديدةٍ أحماها إنسانها لِلعبه،
وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه، أتئنّ من الأذى ولا أئن من لظى؟)».
* وقال في الباب السّادس: «قال عليّ عليه السّلام حين جاء نعي
الأشتر: (مالك وما مالك، لو كان جبلاً لكان فنداً لا يرتقيه الحافر، ولا يرقى
عليه الطّائر)».
* وقال في الباب السّابع: «قال عليّ رضي الله عنه: (سئل كيف كان
حبّكم لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: كان والله أحبّ إلينا من
أموالنا وأبنائنا، وأمّهاتنا، ومن برد الشّراب على الظّماء)». ".."
* وقال في الباب التّاسع: «كان الرّشيد يقول لموسى الكاظم بن
جعفر عليه السّلام: يا أبا الحسن، حُدّ فدك حتّى أردّها عليك، فيأبى، حتّى ألحّ
عليه.
فقال: لا آخذها إلاّ بحدودها.
قال: وما حدودها؟
قال: يا أمير المؤمنين، إنّ حدّدتها لم تردّها.
قال: بحقّ جدّك إلاّ فعلت.
قال: أمّا الحدّ الأوّل، فعدن.
فتغيّر وجه الرّشيد وقال: هيه.
قال: والحدّ الثّاني سمرقند. فأربدّ وجهه.
قال: والحدّ الثالث أفريقية.
فأسودّ وجهه وقال: هيه.
قال: والرّابع سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية.
قال الرّشيد: فلم يبق لنا شيء فتحوّل في مجلسي.
قال موسى: قد أعلمتك أنّي إنّ حدّدتها لم تردّها.
فعند ذلك عزم على قتله وأستكفى أمره يحيى بن خالد».
".."
* وقال في الباب الحادي عشر: «لمّا وجّه يزيد بن معاوية مسلم بن
عقبة لاستباحة أهل المدينة، ضمّ علي بن الحسين عليه السّلام إلى نفسه أربع مائة
منافيّة [نسبة إلى عبد مناف] يحشمهنّ يعولهنّ إلى أن تقوّض جيش مسلم، فقالت امرأة
منهنّ: ما عشت والله بين أبوي مثل ذلك التريف [السّعة في المأكل والمشرب]».
* وقال في الباب الثّاني عشر: ".." «قال عليّ رضي الله
عنه: (لو ضربتُ خيشومَ المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببتُ
الدنيا بحماتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني وذلك أنّه قضى فانقضى على
لسان النّبي الأمّي إنّه لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق)». ".."
* وقال في الباب التّاسع عشر: «دخلتْ أمّ أفعى العبديّة على
عائشة، فقالت: يا أمّ المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت:
وجبت لها النار.
قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الكبار عشرين ألفاً؟
قالت: خذوا بيد عدوّة الله». ".."
* وقال في الباب الثالث والعشرين: «قال النّبي صلّى الله عليه
وآله وسلّم: (إذا كان يوم القيامة نوديتُ من بطنان العرش، نِعمَ الأب أبوك
إبراهيم ونِعمَ الأخ أخوك عليّ بن أبي طالب).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إذا كان يوم القيامة أخذتُ
بحجزة الله وأخذتَ أنت يا عليّ بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم،
فترى أين يأمر بنا)».
وقال: «قال جميع بن عمير: دخلت على عائشة، فقلت: مَن كان أحبّ
النّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: فاطمة. قلت: إنّما سألتكِ عن
الرّجال.
قالت: زوجها، وما يمنعه؟ فوالله إنه كان لصوّاماً قوّاماً، ولقد
سالت نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده فردّها إلى فيه.
قلت: فما حملكِ على ما كان؟ فأرسلتْ خمارها على وجهها وبكت
وقالت: أمر قضي عليّ». ".."
* وقال في الباب السّادس والعشرين: «كان الحسن بن عليّ إذا فرغ
من وضوئه تغيّر لونه، فقيل له: فقال: (حقٌّ على مَن أراد أن يدخل على ذي العرش
أن يتغيّر لونه)».
وقال: «قال الحسن البصري: ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة
ابنة رسول الله عليها السّلام، كانت تقوم حتّى تورّمت قدماها». ".."
وقال: «قال الحسن بن عليّ رضي الله عنه: (إنّي لأستحيي من
ربّي أن ألقاه، ولم أمشِ إلى بيته. فمشى من المدينة إلى مكّة عشرين مرّة)».
* وقال في الباب التاسع والعشرين: «قال طاوس: إنّي لفي الحجر
ليلة، إذ دخل عليّ بن الحسين، فقلت: رجل صالح من أهل بيت الخير لأسمعنّ دعاءه.
فسمعته يقول: (عُبَيدك بفنائك، مسكينك بفنائك). فما دعوت بهنّ في كربة إلاّ
فرجت».
* وروى في الباب السّابع والثّلاثين عن الشّقراني مولى رسول
الله: «خرج العطاء أيّام أبي جعفر ومالي شفيع، فبقيت على الباب متحيّراً، فإذا أنا
بجعفر بن محمّد، فقمت إليه، فقلت: جعلني الله فداءك، أنا مولاك الشقراني، فرحّب بي
وذكرت له حاجتي، فنزل ودخل وخرج وعطائي في كمّه، فصبّه في كمّي.
ثمّ قال: (يا شقراني، إنّ الحسن من كلّ أحدٍ حسن وإنّه منك
أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحدٍ قبيح وإنّه منك أقبح لمكانك منّا).
وإنّما قال له ذلك لأنّ الشقراني كان يصيب من الشّراب، فانظر كيف أحسن استنجاز
طلبته، وكيف رحّب به، وأكرمه، مع اطّلاعه على حاله، وكيف وعظه على جهة التّعريض،
وما هو إلاّ من أخلاق الأنبياء».
* وقال في الباب السادس والسبعين: «أنزل الله تعالى في الخمر
ثلاث آيات:
أوّلها: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ فكان
المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شرب رجل ودخل في الصّلاة فهجر، فنزلت: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾
فشربها من شرب من المسلمين، حتّى شربها عمر، فأخذ لحيي بعير، فشجّ رأس عبد الرّحمن
بن عوف، ثمّ قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود ابن عبد يغوث:
وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والشرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر * من الشيزي المكلّل بالسّنام
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيى * وكيف حياة أصداء وهام
أيعجز أن يردّ الموت عنّي * وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلّغ الرحمن عنّي * بأنّي تارك شهر الصّيام
فقل لله يمنعني شرابي * وقل: يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فخرج مغضباً
يجر رداءه فرفع شيئاً كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله.
فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ﴾ إلى قوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم
مُّنتَهُونَ﴾. فقال عمر: انتهينا».
قال: «وشرب رجل من إداوة عمر، فسكر فجلده، فقال: إنّه من نبيذٍ
لك، فقال: إنّما جلدتك لسكرك».
* وقال في الباب الثّامن والّثمانين: «دعا معاوية قيس بن سعد بن
عبادة، إلى مفارقة عليّ عليه السّلام حين تفرق عنه النّاس، فكتب إلى معاوية: (يا
وثن بن وثن تدعوني إلى مفارقة عليّ بن أبي طالب والدّخول في طاعتك، وتخوّفني
بتفرّق أصحابه عنه وانثيال النّاس عليك، وإجفالهم إليك، فوالله الّذي لا إله غيره
لا سالمتُك أبداً وأنت حربه، ولا دخلتُ في طاعتك وأنت عدوّه، ولا اخترتُ عدوّ الله
على وليّه، ولا حزبَ الشّيطان على حزبه، والسّلام)».
* وقال في الباب التّسعين: «أهدى معاوية إلى الدؤلي هديّة فيها
حلوى. فقالت ابنته: ممّن هذا يا أبه؟ فقال: هذا من معاوية، بعث بها يخدعنا عن
ديننا! فقالت:
أبالشهد المزعفر يا ابن هند
|
نبيع عليك أحساباً وديناً
|
معاذ الله كيف يكون هذا؟
|
ومولانا أمير المؤمنينا».
|