نبيّ الله عيسى ابن مريم
كلمةُ الله والمبشِّر بخاتَم الرّسُل
ـــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــــ
يؤكّد الاهتمام بالسيّد المسيح على نبيّنا وآله وعليه السلام، وأمّه السيدة مريم في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة سموَّ مقامهما في الإسلام وبين المسلمين، وتنزيههما عليهما السلام من كلّ افتراء أو ادّعاء روّجه اليهود؛ سواء في اتّهام السيدة مريم ومحاولة تشويه قداستها وطهارتها، أو في اتّهام المسيح بادّعاء الألوهية.
هذه المقالة إطلالة مختصرة على حياة السيّد المسيح عليه السلام، منذ ولادته وحتّى رفعه اللهُ إليه، مقتبسة من آيات القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة، ومن كتاب (عيسى المسيح في الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة) إصدار «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة».
يعود الاهتمام الإسلامي بشخصيّة نبيّ الله عيسى المسيح عليه السلام إلى فجر الدعوة، فقد كانت الهجرة إلى الحبشة، المملكة المسيحيّة المجاورة، أول تجربة واجهها المسلمون الأوائل في التعامل مع أتباع المسيح عليه السلام؛ حيث شَهد الملك النجاشيّ بأَصالة الإسلام ونقائه، وأنّه والمسيحية (غير المحرّفة) يشكّلان رافديْن جاريين من منبعٍ واحد.
لقد تحدّثت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن السيّد المسيح وأمّه السيّدة البتول مريم ابنة عمران، كما ورد كثير من الأخبار والروايات في شأنهما عليهما السلام... فالمسيح كما الأنبياء قبله -وكلّهم من مشكاة نورٍ واحد- بشّر بالنبيّ الخاتَم صلّى الله عليه وآله، ومهّد للإسلام، خاتمة الرسالات السماويّة. وجميعُ الأنبياء، كما أهل بيت النبيّ المعصومين عليهم السلام، بعضهم من بعض: خُلُقاً ونهجاً، صراطُهم واحد، ويدعون إلى ربٍّ عظيمٍ واحد.
أمّا آخر هذه الصفوة المصطفاة، فهو الإمام الحجّة المنتظَر عليه السلام، خليفة النبيّ الثاني عشر، الذي يجمعه الله في زمانه مع النبيّ عيسى عليهما السلام، فيتمّ الله وعده، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾. [القصص:5]
لمّا حملتهُ مريم عليها السلام
بُشّرت مريم عليها السلام بمولودها النبيّ وهي في محراب العبادة. ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ مريم بُشِّرتْ بعيسى، فبينا هي في المحرابِ إذ تمثّل لها الرّوحُ الأمينُ بشراً سويًّا، قالت: ﴿إنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ِلأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا﴾... فحملتْ بعيسى. فلم يلبثْ أن ولدت... وأتى إبليسُ تلك الليلة، فقيل له: وُلد الليلةَ ولدٌ لم يبقَ على وجه الأرض صنمٌ إلاّ خرّ لوجهه، وأتى المشرقَ والمغرب يطلبه، فوَجَده في بيت ديرٍ قد حفّت به الملائكة، فذهب يدنو، فصاحت الملائكة: تنحَّ، فقال لهم: مَن أبوه؟ فقالت: فمَثَلُه كَمَثَلِ آدم. فقال إبليس: لأُضِلّنّ به أربعة أخماسِ الناس».
(بحار الأنوار:14/215) (مريم: 18-19)
وعن الحكم بن عيينة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لمّا قالتِ العواتق -وهنّ سبعون- الفريةَ على مريم عليها السلام: ﴿..لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾، أنطقَ اللهُ تعالى عيسى عليه السلام عند ذلك، فقال لهنّ: تفترين على أمّي، أنا عبدُ الله آتانيَ الكتاب، وأقسمُ بالله لأَضْرِبَنّ كلّ امرأةٍ منكنّ حدّاً بافترائكُنّ على أمّي.
قال الحكم: فقلتُ للباقر عليه السلام: أفضَربهنّ عيسى عليه السلام بعد ذلك؟
قال: نعم، ولله الحمدُ والمِنّة». (مريم:27)
(قصص الأنبياء للراوندي: ص 264)
وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «..ولو أنّ عيسى حين خرجَ من بطن أمّه لم ينطق بالحكمة، لم يكن لأمّه عذرٌ عند الناس، وقد أتتْ به من غير أب، وكانوا يأخذونها كما يؤخَذُ به مثلها من المحصنات، فجعل اللهُ عزّ وجلّ منطقَه عذراً لأمّه».
(عِلل الشرائع:1/79)
وقد ورد في القرآن المجيد ما مفاده أنّ نسبَ النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام، يرجع إلى نبيّ الله إبراهيم من خلال مريم عليهما السلام. عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «واللهِ لقد نَسَبَ اللهُ عيسى بنَ مريم في القرآن إلى إبراهيمَ عليه السلام من قِبل النساء».
(الحدائق الناضرة:12/407)
وسُئل عليه السلام: «لمَ خلق الله عيسى مِن غيرِ أب؟
فقال: ليَعلم الناسُ تمامَ قدرته وكمالَها، ويعلموا أنّه قادرٌ على أن يخلقَ خلقاً من أُنثى من غير ذَكَر، ..ليُعلم أنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ». (بحار الأنوار:14/218)
ولادته عليه السلام
ولد المسيح عليه السلام في ليلة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، كما ذكر الامام الرضا عليه السلام: «..ليلة خمسة وعشرين ذي القعدة وُلد فيها إبراهيم عليه السلام، ووُلد فيها عيسى بن مريم...». (ذخيرة المعاد للسبزواري:1/520)
وعن الإمام الكاظم عليه السلام: «..وأمّا اليوم الّذي حملتْ فيه مريم فهو يومُ الجمعة للزّوال، وهو اليوم الّذي هبطَ فيه الروح الأمين؛ وليس للمسلمين عيدٌ كان أولى منه.. وأمّا النهر الّذي ولدت عليه مريم عيسى عليه السلام فهو الفرات..». (بحار الأنوار:14/212)
فلمّا ولدته ذهب الشيطان، فأخبر بني إسرائيل أنّ مريم ولدت، فلمّا أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى، فتكلّم عيسى، فقال: ﴿..إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا..﴾. (مريم:30-31)
وفي (أمالي) الشيخ الطوسي أن أمير المؤمنين عليه السلام، لمّا رجع من وقعة الخوارج مرّ براهبٍ في صومعة، فقال له الراهب: لا تنزل هذه الأرض بجيشك!
قال عليه السلام: وَلِمَ؟ قال الراهب: لأنّه لا ينزلها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ بجيشه... هكذا نجد في كتبنا.
قال أمير المؤمنين: فأنا وصيّ سيّد الأنبياء، وسيدُ الأوصياء.
فقال الراهب: فأنت، إذاً وصيّ محمّد! قال أمير المؤمنين: أَنا ذلك
فنزل الرّاهب إليه، فقال: خُذ عليَّ شرائع الإسلام، إنّي وجدتُ في الإنجيل نعْتك، وأنّك تنزل أرض براثا: بيتَ مريم وأرضَ عيسى عليه السلام.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قِفْ وَلا تُخْبِرنا بِشيء، ثمّ أتى موضعاً، فقال: الكزوا (أي أزيحوا) هذه، فلكزه برِجله عليه السلام فانبجست عينٌ خرّارة. فقال: هذه عينُ مريمَ التي انبعقتْ لها، ثم قال: اكْشِفوا هَهنا على سبعة عشر ذراعاً، فكشف فإذا بصخرةٍ بيضاء. فقال عليٌّ عليه السلام: عَلى هذه وضعتْ مريمُ عيسى من عاتقها، وصَلَّتْ ههُنا.
فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصّخرة وصلّى إليها... ثمّ قال: أَرْضُ براثا، هَذا بيتُ مريمَ عليها السلام، هذا الموضعُ المقدّس صلّى فيه الأنبياء..».
(المصدر: ص 199)
والصّخرة البيضاء التي أمر الإمام عليّ، عليه السلام، باستخراجها، منصوبة حالياً داخل مسجد براثا، في ضاحية بغداد، وقد نُقِشَت على جوانبها بخطّ بارز آية (الكرسيّ)، وأسماء المعصومين الأربعة عشر، عليهم السلام، ويقصدها المصلّون للدّعاء التبرّك
تجدر الإشارة إلى أن الرواية المتقدّمة، لا تُفيد، بالضرورة، أن مولد عيسى عليه السلام في براثا، وإنما تواجد السيدة مريم عليها السلام في ذلك الموضع بعد الولادة.
ففي (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي أيضاً، روى بسنده عن أبي حمزة الثّماليّ، عن الإمام زين العابدين في تفسير قوله تعالى: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾، قال عليه السلام: «خرجت من دمشق، حتّى أتتْ كربلاء، فوضعَتْهُ في موضعِ قبرِ الحسين عليه السلام، ثمّ رجعتْ من ليلتها». (المصدر:6/73) (مريم:22)
نبوّته
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: «إنّ الله تعالى أعطى محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم شرائع نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى عليهم السلام: التوحيد، والإخلاص وخلْع الأنداد، والفِطرة الحنيفية السَّمْحة. لا رهبانيّةَ ولا سياحة، أحلّ فيها الطيّبات وحرّمَ فيها الخبائث». (الوافي: 3/718)
وعنه عليه السلام: «..واعلموا أنّه لو أنكر رجلٌ عيسى بن مريم عليه السلام، وأقرّ بمَن سواه من الرّسُل لم يؤمِن..» . (الكافي:1/182)
ورُوي أنّ عيسى عليه السلام مكثَ حتّى بلغ سبع سنين أو ثمانياً، فجعل يُخبرهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم. فأقام بين أظهُرِهم؛ يُحيي الموتى ويُبرئُ الأكمَهَ والأبرَصَ، ويعلّمهم التوراة. وأنزلَ اللهُ عليه الإنجيلَ لمّا أراد أن يتّخذَ عليهم حجّةً.
حواريّو عيسى عليه السلام
سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن حواريّي عيسى، فقال: «كانوا من صَفوته وخِيَرته، وكانوا اثنيَ عشر، مجرّدين مكمشين -أي مُسرعين- في نُصرة الله ورسوله. لا زَهو فيهم ولا ضعف ولا شكّ. كانوا ينصرونه على بصيرةٍ ونفاذ، وجدٍّ وعَناء».
(كفاية الأثر للقمّي: ص 69)
وسُئل الامام الرضا عليه السلام: لم سُمِّيَ الحواريّون الحواريّين؟ قال عليه السلام: «أما عند الناس فإنّهم سُمُّوا حَواريّين، لأنّهم كانوا قَصّارين (احْوَرَّ الشيء: اِبيضّ، والقَصّار: مبيّض الثياب) يخلّصون الثياب من الوَسخ بالغَسل... وأمّا عندنا فسُمّي الحواريّون الحواريّين، لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم، ومُخَلِّصين لغيرهم من أوساخ الذنوب، بالوعظِ والتذكير». (عيون أخبار الرضا: 2/85)
بل رفعه الله إليه
* قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «بعثَ اللُه عيسى بن مريم عليه السلام واستودعَه النور والعلم والحكمة، وجميعَ علوم الأنبياء قبله، وزادَه الإنجيل، وبعثَه إلى بيتِ المقدِس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابِه وحِكمتِه، وإلى الإيمان بالله وبرسوله، فأبى أكثرُهم إلّا طغياناً وكُفراً، فلمّا لم يؤمنوا به دعا ربَّه وعزم عليهم، فمسخ منهم شياطين ليُريهم آيًة فيعتبروا، فلم يَزِدهم إلاّ طغياناً وكفراً، فأتى بيتَ المقدس ومكث يدعوهم ويرغّبهم في ما عند الله ثلاثاً وثلاثين سنة، حتى طلبته اليهودُ وادّعت أنّها عذّبته ودفنته في الأرض حيّاً، وادّعى بعضُهم أنّهم قتلوه وصلبوه، وما كان اللهُ ليجعلَ لهم عليه سلطاناً، وإنّما شُبِّه لهم، وما قدروا على عذابه ودفْنِه ولا على قتله وصلبه، لقوله عزّ وجلّ: ﴿..يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا..﴾، بل رفعَه اللهُ إليه بعد أن توفّاه، فلما أرادَ اللهُ أنْ يرفعَه أوحى إليه أنْ يستودعَ نورَ اللهِ وحِكمتَه وعِلمَ كتابِه، شمعونَ بن حمون الصّفا خليفتَه على المؤمنين». (كمال الدين: ص 225) (آل عمران:55)
* وورد عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «إنّ عيسى بن مريم عبدٌ مخلوقٌ، فجعلوه ربًّا، ﴿..فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا..﴾». (بحار الأنوار: 9/197). (المائدة:14)
* وفي حديثٍ لأبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: «..فإنّه ما شُبِّه أمرُ أحدٍ من أنبياءِ الله وحُجَجِه عليهم السلام للنّاس، إلاّ أمرُ عيسى بن مريم عليه السلام وحدَه؛ لأنّه رُفع من الأرض حيًّا، وقُبض روحُه بين السماء والأرض، ثمّ رُفع إلى السماء ورُدّ عليه روحُه».
(الخصال: ص 529)
وقد رُفع عيسى عليه سلام الله يوم استُشهد أمير المؤمنين عليه السلام؛ ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «..وفي ليلةِ إحدى وعشرين -من شهر رمضان- رُفع عيسى عليه السلام، وفيها قُبض وصيّ موسى عليه السلام، وفيها قُبض أمير المؤمنين عليه السلام..». (الوافي:11/389)
أمّا من عُذّب وصُلب فكان مَن وشى به ورامَ قتله؛ قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: ﴿..وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..﴾ «هو جَبرئيل، وذلك حين رفعَه من رَوزنَةِ بيتِه إلى السماء، وألقى شَبهَه على مَن رام قتله، فقُتل بدلاً منه». (البحار:9/320) (البقرة :87)
نزوله إلى الأرض
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: «يلتفتُ المهديُّ وقد نزلَ عيسى بن مريم عليه السلام... فيقول المهديّ له: تقدّمْ صَلِّ بالناس، فيقول: (إنّما أُقيمتِ الصلاةُ لك)، فيُصلّي خلفَ رجلٍ من وُلدي». (أعيان الشيعة:2/52).
* وفي حديث الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ عيسى ينزلُ قبلَ يومِ القيامةِ إلى الدنيا، فلا يبقى أهلُ مِلّةٍ؛ يهوديّ ولا نصرانيّ إلاّ آمنَ به قبل موتِه، ويصلّي خلفَ المهديّ عجّل الله فرجَه».
(البحار:9/154)