﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ﴾
رواية أهل البيت عليهم السلام في بدء البعثة الشريفة
ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ
كانت بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله، وما تزال، أعظم حدثٍ في تاريخ البشرية. لكنّ الانقلاب على الأعقاب الذي حصل إثر رحيل الرسول صلّى الله عليه وآله، وما تلاه من مفاعيل، أدّى إلى عملية تشويه مقصودة لشخصية النبيّ الكريم ومكانته، ومن ذلك أنّه اشتهرت رواية عن بدء نزول الوحي لا تنسجم وأوّليات الاعتقاد الحقّ بالله تعالى، وملائكته، ومَن اصطفاهم لهداية خلقه.
وقد حفظ أمناء الوحي من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، للأجيال الصورة النقيّة لحال النبيّ صلّى الله عليه وآله ما قبل البعثة، وحين وقوعها، وما تلاها من أحداث.
في موسوعته القيّمة (جواهر التاريخ)، وفي القسم المخصّص للسيرة النبوية العطرة، تصدّى سماحة العلّامة الشيخ علي كوراني، لعرض ما هو غير مشتهر من حدث البعثة، مناقشاً رواية السلطة ومبيّناً تهافتها. وقد قمنا باقتطاع ما ارتأينا نشره على صفحات المجلة، ثمّ حرّرناه على شكل سؤال وجواب.
«شعائر»
س: كانت بعثة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في السابع والعشرين من شهر رجب في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة، وكان صلّى الله عليه وآله في سنّ الأربعين من عمره الشريف. فهل كان مسبوقاً بما يبشّره بمهمّته تلك؟
ج: نحن الشيعة نعتقد أنّ نبيّنا صلّى الله عليه وآله، كان نبيّاً منذ ولادته، وكان على هدًى من ربّه، وفي الأربعين بُعثَ رسولاً. بل يجب أن يعتقد بذلك أتباع المذاهب، لأنّه صحّت عندهم أحاديث أنّه صلّى الله عليه وآله «كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين»، أو «بين الروح والجسد»، فهو، إذاً، يعرف الملائكة من حداثة سنّه، ويعرف أنّه نبيّ من الله تعالى.
وقد سئل الإمام الباقر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾؟
فقال: «يوكّل الله تعالى بأنبيائه ملائكة يُحصون أعمالهم، ويؤدّون إليه تبليغهم الرسالة، ووكّل بمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم ملَكاً عظيماً منذ فُصل عن الرضاع، يرشده إلى الخيرات ومكارم الأخلاق، ويصدّه عن الشرّ ومساوئ الأخلاق، وهو الذي كان يناديه: (السلام عليك يا محمّدُ يا رسولَ الله)، وهو شابّ...».
س: بناء على ما تقدّم ينبغي أنّ يكون صلّى الله عليه وآله عارفاً بربّه عزّ وجلّ، مؤدّياً له فرض العبادة، فوفق أيّ شريعة من شرائع الأنبياء السابقين، عليهم السلام، كان ذلك؟
ج: بحث العلماء تَعَبُّد نبيّنا صلّى الله عليه وآله قبل بعثته، وأنّه هل كان يعبد الله تعالى حسب شريعة عيسى عليه السلام، أم لا؟ والصحيح أنّه صلّى الله عليه وآله وأجداده عليهم السلام، كانوا فرعاً مستقلّاً، مكلّفين بحنيفية إبراهيم عليه السلام، دون شريعة غيره من الأنبياء عليهم السلام، وأنّ قبائل قريش انحرفت عن ملّة إبراهيم عليه السلام، وثبت عليها آباؤه وأخيار أسرته صلّى الله عليه وآله. ويدلّ عليه ما رُوي عن الأصبغ بن نباتة، أنّه قال: «سمعتُ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: واللهِ ما عبدَ أبي، ولا جدّي عبد المطّلب، ولا هاشم... صنماً قط!
قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام، متمسّكين به».
س: وماذا عن زوجه صلّى الله عليه وآله، مولاتنا خديجة رضوان الله تعالى عليها، وعليّ عليه السلام، الذي تربّى في حِجره، هل كانا يتعبّدان معه قبل البعثة؟
ج: قد نصّت أحاديث أهل البيت عليهم السلام، على أنّ جبرئيل جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله عندما كان في سنّ السابعة والثلاثين، وأخبره بأنه سيكون رسولاً، وعلّمه الوضوء والصلاة، فأخبر بذلك خديجة وعليّاً، عليهما السلام، فصدّقاه، وآمَنَا به، وكانا يصلّيان معه.
ففي كتاب (إعلام الورى) للطبرسي، حينما يذكر مبدأ المبعث، يقول: «ذكَر عليّ بن إبراهيم بن هاشم -وهو من أجلِّ رواة أصحابنا في كتابه- أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأنّ آتياً أتاه فيقول: يا رسول الله... فلمّا طال عليه الأمر وكان بين الجبال... فنظر إلى شخصٍ يقول له: يا رسول الله. فقال له: من أنت؟ قال: جبرئيل، أرسلني الله إليك ليتّخذك رسولاً... وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يكتم ذلك، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام، وأنزل عليه ماءً من السماء، فقال: يا محمّد، قم توضّأ للصلاة، فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق، ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين، وعلّمه السجود والركوع..» إلى آخر الرواية.
س: هل روت مصادر العامّة من المسلمين ما يدلّ على نبوّة النبيّ صلّى الله عليه وآله قبل رسالته؟
ج: قد روت أكثر مصادرهم ذلك. على سبيل المثال، ما رواه مسلم في (صحيحه)، عن جابر بن سمرة، قال: «قال رسول الله: إنّي لأعرفُ حجراً بمكّة كان يسلّم عليَّ قبل أن أُبعث، إنّي لأعرفه الآن».
والحديث كما ترى ينصّ على أنّ ذلك كان قبل البعثة، لكنّهم حرّفوه وجعلوا ذلك أيّام البعثة. ففي (الترمذي)، و(الطيالسي)، و(تاريخ) الذهبي صارت الفقرة هكذا: «كان يسلّم عليَّ ليالي بُعثت». وفي (الطبراني الكبير): «حين بُعثت».
بدء بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله
س: كيف تصوّر الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، بعثة النبي صلّى الله عليه وآله، وابتداء نزول الوحي على قلبه الشريف؟ وبمَ تختلف عمّا هو مشهور في كتب السّيَر والتواريخ؟
ج: قال أهل البيت عليهم السلام إنّ الوحي بدأ في «أفُقٍ مبين» لا لبسَ فيه ولا خوف، تصديقاً لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾.
وأنّه لمّا استكمل أربعين سنة، أَذِنَ الله تعالى للملائكة فنزلوا، وأمر بالرحمة فأُنزلت من لدن ساق العرش إلى رأس محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور، فتلا عليه الآيات الأولى من سورة (العلق)، وهي أول ما نزل من القرآن الكريم.
وأما الرواية التي تبنّتها مذاهب السلطة، فمفادها أنّ الوحي بدأ في أفقٍ عنيف، مرعب، ومبهم! وقد افتتح البخاري (صحيحه) بروايتها، وكرّرها في كتابه أربع مرات! وهي تحوي أموراً لا يقبلها العقل، ففيها أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله رأى جبرئيل في أفق مرعب، وشكٍّ مؤلم، وأنّه احتاج إلى ورقة بن نوفل النصراني ليهدّئ من رعبه وشكّه!!
وفيها أنّ الوحي انقطع عن النبيّ فعاد إليه شكّه، فقرّر أن ينتحر! وذهب مراراً لينتحر، لكنّ جبرئيل جاءه من بعيد، ومنعه من إلقاء نفسه من الجبل!
ثمّ إنّ آيات القرآن نصّت على بشارة الأنبياء عليهم السلام، بنبيّنا صلّى الله عليه وآله، وتواترت الأخبار بأنّ أحبار اليهود والنصارى عرفوه! فكيف لم يعرف هو نبوّته، حتى بعد نزول الوحي عليه؟!
إنّ الوضع المنطقي عندما نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله: أن يسلّم عليه ويعرّفه بنفسه، وأنّه رسول ربّه عزّ وجلّ إليه، وأنّه بعثه رسولاً، وسيُنزِّل عليه قرآناً، ثمّ يشرح له مهمّته، وأن يكون ذلك في جوّ اطمئنان ويقين وخشوع، كما نصّت رواية أهل البيت عليهم السلام، وليس بالتعامل الخشن الذي نسبوه إلى الله تعالى، والذي يشبه أكاذيب اليهود عن عنف ربّهم مع أنبيائه عليهم السلام! ويشبه روايات كُهّان العرب المصابين بالعُصاب عندما يأتيهم جِنِّيِّهُم! وغير ذلك كثير ممّا لا يمكن قبوله في رواية السلطة عن بدء البعثة.
إنّ الذين صدّقوا هذه الرواية مسؤولون عن استغلال أعداء الإسلام لها، وافترائهم على النبيّ صلّى الله عليه وآله، بأنّه كان يشكّ في نبوّته، وإنّ القسيس ورقة بعثه نبيّاً وليس الله تعالى!
قريش تتخوّف من النبأ العظيم
س: كيف كان وقعُ خبر بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله بالرسالة على القرشيّين؟
ج: وقع على زعمائهم كالصاعقة، لأنّهم اعتبروا ذلك حركة من بني هاشم لرئاسة قريش والعرب، وانقلاباً على صيغة التوافق في تقسيم مناصب الشرف، وهي: رئاسة قريش، ورايتها، وسقاية الحجّاج ورفادتهم! وتركّزت أنظارهم على أبي طالب لمعرفة موقفه من ادّعاء ابن أخيه، لأنّه وارث عبد المطلب، وبيده السقاية والرفادة، وهو صاحب شخصية قويّة وعقلية مميّزة. وزاد من تخوّف زعماء قريش أنّهم سمعوا من اليهود ومن عبد المطّلب، أنّ نبيّاً سيُبعث من ذرّيته، وكان يتوقّع أن يكون حفيده محمّداً، وقد أوصى به إلى أبي طالب وشدّد عليه الوصيّة بحفظه وإكرامه، فربّاه أبو طالب من سنّ الثامنة وآثره على أولاده، وبقي عنده إلى أن تزوّج في العشرينات من عمره. واشتهر حبّه له وإعجابه به.
ولم يكن زعماء قريش يعرفون حقيقة موقف أبي طالب، لكن زاد تخوّفهم عندما بلغهم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أمره ربّه أن يدعو «عشيرته الأقربين»، فدعا بني هاشم إلى وليمة في بيته، وأخبرهم بأنّ الله تعالى بعثه إليهم خاصّة ثمّ إلى الناس عامّة، وأمره أن يتّخذ منهم مَن يبايعه على نبوّته، أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفة، فاستجاب له الفتى عليّ عليه السلام، فأعلنه أخاه ووزيره وخليفته، وأمر بني هاشم بطاعته!
وكان ذلك نبأً عظيماً على زعماء قريش كما وصفه الله تعالى في سورة (النبأ)، فاعتبروا أنّ بني هاشم أعلنوا مشروعهم في النبوّة، فأبو طالب يدافع عنه وإن لم يستجب له في الظاهر، وبنو هاشم يحمون محمّداً صلّى الله عليه وآله، عدا أبي لهب!
المنن السابغة
أعمال يوم المبعث
1- الغُسل.
2- الصَّوم، وهو يُعادل صيام ستّين سنة.
3- زيارة رسول الله صلّى الله عليه وآله [أنظر: زيارته صلّى الله عليه وآله عن بُعد، باب الزيارات، مفاتيح الجنان]، وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام. [أنظر: باب الزيارات في مفاتيح الجنان]
4- الإكثار من الصلاة على محمّد وآل محمّد صلّى الله عليه وآله.
5- صلاة اثنتَي عشرة ركعة قبل الزّوال، تقرأ في كلّ ركعة (فاتحة) الكتاب وما تيسّر من السُّوَر، وتقول بين كلّ ركعتين: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيُّ مِنَ الذُّلِّ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً. يا عُدَّتِي فِي مُدَّتِي، يا صاحِبي فِي شِدَّتِي، يا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي، يا غِياثِي فِي رَغْبَتِي، يا نَجاحِي فِي حاجَتِي، يا حافِظِي فِي غَيْبَتِي، يا كافِئي (كالئي) فِي وَحْدَتِي، يا أُنْسِي فِي وَحْشَتِي، أَنْتَ الساتِرُ عَوْرَتِي فَلَكَ الحَمْدُ، وَأَنْتَ المُقِيلُ عَثَرتِي فَلَكَ الحَمْدُ، وَأَنْتَ المُنْعِشُ صَرْعَتِي فَلَكَ الحَمْدُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْتُرْ عَوْرَتِي، وَآمِنْ رَوْعَتِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَاصْفَحْ عَنْ جُرْمِي، وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِي فِي أَصْحابِ الجَنَّةِ، وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ».
فإذا فَرغتَ من الصّلاة والدّعاء قرأتَ الحمد، و(قل هو الله أحد)، و(قل يا أيّها الكافرون)، والمعوّذتين، و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر)، وآية الكرسيّ، سبعاً سبعاً، ثمّ تقول: «لا إله إلّا الله والله أكبرُ وسبحان الله، ولا حَولَ ولا قوّة إلّا بالله» سبع مرّات، وتقول: «الله الله ربّي لا أُشركُ به شيئاً» سبع مرّات ثمّ ادعُ بما أحببت.
6- ومن أعمال يوم المبعث قراءة دعاءين:
* الأوّل: يا مَنْ أَمَرَ بِالعَفْوِ وَالتَّجاوُزِ.. .
* الثاني: أللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالتّجَلِّي الأَعْظَمِ..
[انظر: مفاتيح الجنان، اللّيلة السابعة والعشرون ويومها]