من توجيهات العلامة المجلسي
شروط التوبة وبواعثها
كتاب (عين الحياة) للعلامة المجلسي (صاحب البحار)، شرحَ فيه، بالفارسية، وصيةَ رسول الله المعروفة لأبي ذرّ الغفاريّ، التي جمع فيها صلّى الله عليه وآله أبواب الخير كلّها، وحذّره فيها من أبواب الشرّ كلّها.
نقله إلى العربية المحقق السيد هاشم الميلاني، وصدر بالعنوان نفسه عن «مؤسسة النشر الإسلامي» في قم سنة 1416، ومنه هذا المقتطف في «التوبة».
اعلم أنّ للتوبة شرائط وبواعث، والباعث الأول التفكّر في عظمة الذنوب التي ارتكبها، وفي عقوباتها في الدنيا والآخرة. والتفكّر في المنافع العظيمة التي فاتته بسبب الذنوب، كي تحصل له الندامة. وهذه الندامة تكون باعثة على ثلاثة أمور تتركّب منها التوبة:
الأول: يتعلّق بالحال، وهو ترك الذنوب التي يرتكبها في الحال الحاضر.
الثاني: يتعلّق بالمستقبل، وهو العزم الجازم على عدم العود إلى هذا الذنب إلى آخر العمر.
الثالث: يتعلّق بالماضي، وهو الندامة على ما مضى، وتدارُك ما فات، إنْ أمكن.
واعلم أنّ الذنوب التي يُتاب عنها على قسمين:
* القسم الأول: أنّ الذنب لا يستلزم يوم القيامة حكماً آخر غير العقوبة؛ كلبس الحرير للرجل، ويكفي في التوبة لرفع العقوبة، الندامة والعزم على الترك.
* القسم الثاني: أن يستلزم حكماً آخر، وهو على أقسام:
- فإمّا أن يكون حقّ الله أو حقّ الناس، فإن كان الحقّ لله وكان ماليّاً، كما في بعض الذنوب التي يلزمه عتق رقبة كفّارة عنه، فلا يرتفع عنه العقاب بمجرد الندامة من دون أداء الكفّارة، إن كان قادراً.
- وإن كان الحقّ غير ماليّ، كما لو فاتت صلاته، فلا بدّ من القضاء، أو فَعَل أمراً يستوجب الحدّ، كما لو شرب الخمر ولم يثبت عند الحاكم، فإمّا أن يتوب بينه وبين الله، وإمّا أن يقرّ عند الحاكم كي يحدّه، وعدم الإظهار أولى.
- وإن كان حقّ الناس وكان ماليّاً، يجب عليه أداؤه إلى صاحب الحقّ أو إلى وارثه، وإن كان غير مالي، كما لو أضلّ شخصاً فيجب عليه إرشاده، وإن كان قِصاصاً، فالمشهور بين العلماء إخبار صاحب القصاص بأنّه فعل كذا، ويمكّنه نفسه، فإن شاء اقتصّ منه.
- وإن كان حدّاً كما في الفُحش، فإنْ علم ذلك الشخص أنّه قد سُبَّ، فيجب على السابّ التمكين للحدّ. ووقع الخلاف بين العلماء في ما لو لم يعلم ذلك، وذهب أكثرهم إلى أنّ إعلامه بالسّب يوجب أذيّته [فلا يُعلمه]، وكذلك في الغِيبة.
والتوبة الكاملة تدارك ما فات بقدر الإمكان، وإزالة ما بقيَ من آثار الذنوب عن النفس...