الإمام الحسين
عليه السلام والثأر المهدويّ
أبعاد العلاقة
ـــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ د. محمّد شقير* ـــــــــــــــــــــــــــ
استفاضت
الرّوايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليه السلام في الحديث عن شهادة الإمام الحسين عليه السلام،
وما ترتّب أو سوف يترتّب عليها، وخصوصاً لجهة الثّأر له، وما سوف يقوم به الإمام
المهديّ عليه السلام وأنصاره من ثأر للحسين عليه السلام وشهادته.
هذا ولم تقتصر
روايات الثّأر على المصادر الشيعيّة، وإنّما ذكرت العديد من المصادر السنّيّة
قضيّة الثّأر للحسين عليه السلام. وهنا كان من الضّروري بيان حقيقة الثّأر
تلك، وأهمّ القضايا التي تتّصل بها، وذلك بهدف الفهم الصّحيح والاستفادة الهادفة
والجادّة من تراث أهل البيت عليهم السلام، ومنعاً لسوء الفهم الذي يضرّ
بالعلاقات الإسلاميّة في زمن الفتنة هذا.
إن الإمام الحسين عليه السلام هو وارث مشروع
الأنبياء والرّسُل على مرّ التّاريخ، وهو ليس مجرّد سبطٍ لرسول الله محمّدٍ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، وإنّما هو وارث مشروعه الرّسالي، وهو وصيّه، وهو إمام
أطروحة الأنبياء والرّسل ومشروعهم لتحقيق الإصلاح والعدالة في هذه البسيطة.
وعليه، فإنّ قتل الحسين عليه السلام هو
عدوانٌ على ما يعنيه الحسين عليه السلام ويمثّله، أي إنّ معنى قتل الحسين عليه
السلام هو العدوان على مشروع الأنبياء والرّسل وعلى الأطروحة الإلهيّة وأهدافها،
بل هو ذروة وخلاصة الظّلم والعدوان الذي تعرّض له جميع الأنبياء والرّسل طوال
التّاريخ.
وعليه، فإنّ الثّأر للإمام الحسين عليه
السلام يعني الثّأر للنّهج الإلهيّ، ويعني الثّأر لمشروع الأنبياء والرّسل
وأوصيائهم وأتباعهم، وهو يعني الثّأر الأخير والحاسم من جميع تلك المظالم الّتي
تعرّض لها ذلك النّهج وأئمّته وأتباعه.
هدف الثّأر
بناء على ما بُيّن
من حقيقة الثّأر، يصبح واضحاً أنّ هدف الثّأر هو القضاء على جميع أطُر الظّلم
ومختلف أشكاله وأساليبه، وهو يهدف إلى النّيل من ذلك الجور المتمادي، والطّغيان
الموغل، والفساد الذي أضحى سرطان الأرض. وأنّه انتقام لذلك النّهج الإلهيّ ومدرسته وقِيَمه،
والذي يحصل بإسقاط المشروع الذي مارس ظلمه وعدوانه، وما زال يفعل إلى يومنا الحاضر.
وهو ما جاء التّعبير عنه جليّاً في دعاء
النّدبة، حيث ورد في مناشدة الإمام المهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف:
«أَيْنَ المُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ
الظَّلَمَةِ؟ أَيْنَ المُنَتَظَرُ لاِقامَةِ الاَمْتِ وَالعِوَجِ؟ أَيْنَ
المُرْتَجى لاِزالَةِ الجَوْرِ وَالعُدْوانِ؟... أَيْنَ قاصِمُ
شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟... أَيْنَ
مُبِيدُ أَهْلِ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟... أَيْنَ الطَّالِبُ
بِدَمِ المَقْتُولِ بِكَرْبَلاَء؟».
أما لماذا يحصل ذلك باسم الإمام الحسين
والثّأر له؟ فلأنّه في قتل الحسين عليه السلام تكثّفت جميع المظالم، ولأنّ العدوان
على الحسين عليه السلام هو خلاصة العدوان وذروته على نهج الأنبياء والرّسل.
ممّن الثّأر؟
إنّ الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام ليس
مجرّد جماعة أو فئة تخلّت عن دينها في غفلة من الزّمن، وليس مجرّد سلطة انحرفتْ في
شطرٍ من الدّهر، وإنّما هو مشروع الحقد والعداء للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل
بيته والعدوان عليهم، بل العدوان على مدرسة الأنبياء والرّسُل،
من بداية التّاريخ إلى نهايته.
ولذلك فإنّ الثّأر للحسين عليه السلام يتحقّق
بالقضاء على مشروع العدوان هذا، وكَنْس جميع آثاره وأنصاره، وهو يتمثّل بإزالة
سبيل الظّلم ذاك، والنّيل من نسله وأتباعه والدّاعين إليه.
تذكر العديد من الرّوايات الواردة عن أئمّة
أهل البيت عليهم السلام، أنّ الثّأر هو من ذراري قتلة الحسين عليه
السلام ونسلهم وأولادهم... قد يقال إنّه ما ذنب هؤلاء بفعل آبائهم...؟ هنا سوف أنقل
رواية عن الإمام الرّضا عليه السلام تؤسّس للجواب المفترض:
"عن الهرويّ: قلت لأبي
الحسن الرّضا عليه السلام: يا ابنَ رسول الله، ما تقول في حديثٍ رُوي
عن الصّادق عليه السلام أنّه قال: إذا خرج القائم عجّل الله
تعالى فرجه الشريف قتلَ ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟
فقال عليه السلام: هو كذلك.
فقلت (أي السّائل): وقول الله عزّ
وجلّ ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..﴾؟ (فاطر:18)
قال (أي الرّضا عليه السلام): صدق اللهُ في
جميع أقواله، ولكنّ ذراري قَتَلَة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون
بها، ومَن رضيَ شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق، فرضيَ بقتله رجلٌ
في المغرب، كان الرّاضي عند الله شريكَ القاتل، وإنّما يقتلُهم القائم عجّل الله
تعالى فرجه الشريف إذا خرج؛ لرضاهم بفعل آبائهم».
وما يفهم ممّا جاء في هذه الرّواية من أنّ
الثّأر هو ممّن «يرضى قتلَ الحسين عليه السلام ويفتخر به»، هو أنّ
الثّأر سوف يَطلب من يتّخذ من قتل الحسين عليه السلام نهجاً له ويتبنّاه، أي هو
ممّن يتبنّى نهج العدوان على أهل البيت عليه السلام وشيعتهم.
الحسين عليه السلام والمهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف وسرّ الوصال
يمكن القول بأنّ الإمام المهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف يختصّ بالثّأر الأعظم والانتقام الأكبر، ذلك الثّأر الذي لا ثأر
يماثله أو يضاهيه في سعته وقوّته وآثاره ودلالاته...
ولا يُمكن إغفال ذلك التّأكيد من روايات أهل
البيت عليه السلام على ذلك الوصل بين الحسين والمهديّ عليهما السلام
في قضيّة الثّأر؛ حيث من المشروع طرح السّؤال، أنّه لماذا يختصّ ذلك الثّأر الأعظم
بالإمام المهديّ وخروجه؟
هنا سوف نحاول تلمّس الجواب من خلال بيان
التّالي:
أوّلاً: إنّ قتل
الحسين عليه السلام يمثّل ذروة الظّلم وخلاصة العدوان، وأنّ خروج المهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف يعني قيام العدل وغاية القسط، ولذا كان من المنطقيّ للعدل في
غاية تمكّنه وانتصاره، أن يثأر من الظّلم في ذروة عتوّه
وعدوانه.
ثانياً: إنّ قيام المهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف يحتاج إلى طاقة وهدف، وإذا لم يكن هناك أقوى من المظلوميّة في
توليد تلك الطّاقة الجيّاشة في عروق المجتمعات وقلوب الأمم
وإشعال إرادتها؛ فكيف إذا كانت تلك المظلوميّة هي مظلوميّة الحسين عليه السلام؛ وإذا لم يكن
هناك أسمى من العدالة هدفاً يُسعى إلى تحقيقه، فكيف إذا كانت هذه العدالة هي عدالة
المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف وقِسطه؟
ومن هنا كان سرّ الوصل بين مظلوميّة الحسين
عليه السلام وعدالة المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف. سرٌّ لغته
الثّأر، وغايته هدم الظّلم، وهدفه انتصار العدل وبسْط سلطانه؛ حيث أنّه لولا
الحسين عليه السلام لم يكن من مهديّ أو مهدويّة، ولولا المهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف ما كان للحسين عليه السلام أن تستمرّ ثورته في قلب التّاريخ،
حتّى تصل إلى منشدها الأبعد ووصالها الأخير، يوم خروج المهديّ عجّل الله
تعالى فرجه الشريف وظهور دولته، عندما «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت
ظلماً وجَوراً»..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عالم دين وأستاذ جامعي، والمقال مختصَر عن
الأصل