الفروق بين المفهوم والمصطلح
____ عليّ القاسمي* ____
يعتقد
الكثير من الباحثين أنّ المفهوم والمصطلح مترادفان لفظيّان، والواقع أنّ كلّ واحد
منهما يختلف عن الآخر؛ حيث لكلٍّ دلالته وماهيّته. وقد حدّد الدكتور «وجيه المرسي أبو لبن» الفروق بين هاتين الكلمتين
بطريقة جاذبة لافتة للنظر، وذلك على الوجه التالي:
1-
المفهوم: فكرة
أو صورة عقلية تتكوّن من خلال الخبرات المتتابعة التي يمرّ بها الفرد؛ سواء كانت
هذه الخبرات مباشرة، أم غير مباشرة، فعلى سبيل المثال: يتكوّن المفهوم الصحيح للصلاة من خلال خبرة
المتعلّم التي يكتسبها في المراحل التعليمية المختلفة، ومن خلال أدائه للصلاة على
الوجه الصحيح، وكذلك يتكوّن مفهوم الإنفاق في سبيل الله لدى المتعلّم من خلال
المعرفة التي تقدّم له في محتوى مناهج التربية الإسلامية، ومن خلال مواقف الحياة
المختلفة، ويتّسم
كلّ مفهوم بمجموعة من الصفات والخصائص التي تميّزه عن غيره، فمفهوم الزكاة يختلف
مثلاً عن مفهوم الحج.
كما
يشترك جميع أفراد المفهوم في الصفات والخصائص التي تميّزه عن غيره من المفاهيم
الأخرى، فالركوع مثلاً أحد أفراد مفهوم الصلاة يختلف عن أحد أفراد مفهوم الحجّ
كالطواف مثلاً، وهكذا.
وتعتبر
خاصّيتا التجريد والتعميم من أهمّ خصائص المفهوم، فمفهوم الإنفاق مثلاً من المفاهيم غير المحسوسة،
ويتجسّد فيما يبذل من مال في سبيل الله، وهو في الوقت نفسه مفهوم عامّ يشمل:
الإنفاق بالمال، أو الجهد، أو الوقت.
2- يختلف المفهوم عن المصطلح في
أنّ المفهوم يركّز على الصورة الذهنية، أمّا المصطلح فإنّه يركّز على الدلالة
اللفظية للمفهوم، كما أنّ المفهوم أسبق من المصطلح، فكلّ مفهوم مصطلح، وليس العكس،
وينبغي التأكيد على أنّ المفهوم ليس هو المصطلح، وإنّما هو مضمون هذه الكلمة،
ودلالة هذا المصطلح في ذهن المتعلّم؛ ولهذا يعتبر التعريف بالكلمة أو المصطلح هو الدلالة
اللفظية للمفهوم، وعلى ذلك يمكن القول بأنّ كلمة الصلاة مثلاً ما هي إلّا مصطلح
لمفهوم معين ينتجّ عن إدراك العناصر المشتركة بين الحقائق التي يوجد فيها التكبير،
وقراءة القرآن، والقيام والركوع والسجود، والتشهّد والسلام.
وكلمة
الحجّ مصطلح لمفهوم معيّن ينتج عن إدراكنا للعناصر المشتركة بين المواقف؛ كالإحرام،
والطواف حول الكعبة المشرّفة، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، والنزول
بالمزدلفة، والرجم، والحلق أو التقصير
3- تترادف
كلمتا «مصطلح» و«اصطلاح» في اللغة العربيّة، وهما مشتقّتان من «اصطلح»، وجذره
«صلح» بمعنى: اتّفق؛ لأنّ المصطلح أو الاصطلاح يدلُّ على اتّفاق أصحاب تخصّص ما
على استخدامه للتعبير عن مفهوم علميّ محدّد، ومَن يدقّق النظر في المؤلَّفات
العربيّة التراثية، يجد أنّها تشتمل على لفظَي: «مصطلح»، و«اصطلاح» بوصفهما مترادفَين،
والاصطلاح هو اتّفاق القوم على وضع الشيء، وقيل: إخراج الشيء عن المعنى اللغويّ
إلى معنى آخر لبيان المراد. والمصطلحات هي مفاتيح العلوم على حدّ تعبير الخوارزمي،
وقد قيل: إنّ فَهم المصطلحات نصف العِلم؛ لأنّ المصطلح هو لفظ يعبّر عن مفهوم،
والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في شكل منظومة، وقد ازدادت أهمّيّة
المصطلح وتعاظَم دوره في المجتمع المعاصر، الذي أصبح يوصف بأنه مجتمع المعلومات،
أو مجتمع المعرفة، حتّى إنّ الشبكة العالمية للمصطلحات في فيينّا بالنمسا اتَّخذت
شعار «لا معرفة بلا مصطلح».
* (علم المصطلح وصناعة المصطلح - بتصرّف)