موجز في تفسير «سورة الفَلَق»
إحدى المُعَوِّذَتَين ومن أفضل القرآن
ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ
* السورة الثالثة عشرة بعد المائة في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، آياتها خمس، وهي مدنيّة على ما ورد في سبب نزولها، وقيل إنّها مكّية.
جاء في الحديث النبويّ الشريف أنّ من قرأها وسورةَ الناس: «فكأنّما قرأ جميعَ الكُتب التي أنزلها اللهُ على الأنبياء».
* سُمّيت بـ«الفلق» لورود هذا التعبير في الآية الأولى منها، بعد البسملة.
|
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
فضيلة السورة
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «أُنزلتْ عَلَيَّ آياتٌ لم ينزلْ مثلهنّ: المُعَوِّذتان».
* وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال لأحد أصحابه، ويُدعى عقبة بن عامر: «ألا أُعلّمُك سورتَين هما أفضل سور القرآن، أو من أفضل القرآن؟ [التّرديد من الراوي]
قلت: بلى يا رسول الله. فعلَّمَني المعوّذتين. ثمّ قرأ بهما في صلاة الغداة، وقال لي: إقرأهما كلّما قُمتَ ونِمتَ».
* وعنه صلّى الله عليه وآله: «ومن قرأ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فكأنّما قرأ جميع الكُتب التي أنزلَها اللهُ على الأنبياء».
* عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: «مَن أوترَ بالمعوّذتين و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، قيلَ له: يا عبدَ الله أبشِر، فقد قَبِلَ اللهُ وِتْرَك».
عوذة من الألم والمرض
* في (أصول الكافي)، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: رقى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حسناً وحسيناً، فقال: (أُعيذُكما بكلماتِ اللهِ التامّات وأسمائه الحسنى كلِّها عامّة، من شرّ السامّة والهامّة، ومن شرّ كلّ عينٍ لامّة، ومن شرّ حاسدٍ إذا حسد). ثمّ التفت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلينا فقال: هكذا كان يُعوِّذ إبراهيمُ إسماعيلَ واسحاقَ».
* وفيه، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام: «ما من أحد في حدّ الصِّبا يتعهّدُ في كلّ ليلة قراءة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ -كلّ واحدة ثلاث مرّات- و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ مائة مرّة، فإن لم يقدر فخمسين، إلّا صرفَ اللُه عزّ وجلّ عنه كلّ لَمَمٍ أو عرَضٍ من أعراض الصّبيان، والعُطاش، وفساد المعدة، وبُدور الدّم أبداً ما تُعُوهِدَ بهذا حتّى يبلغَه الشّيبُ، فإنْ تعهّدَ نفْسَه بذلك أو تُعوهِد، كان محفوظاً إلى يوم يقبضُ اللهُ عزّ وجلّ نفْسَه».
التفسير الروائي
قوله تعالى: ﴿..قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾.
* عن النبيّ صلّى عليه وآله، من ضمن حديثٍ له: «..فيأمرُ اللهُ عزّ وجلّ، ناراً يقال لها (الفلَق) أشدّ شيء في جهنّم عذاباً، فتخرجُ من مكانها سوداءَ مظلمة بالسّلاسل والأغلال، فيأمرها اللهُ عزّ وجلّ أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة، فتنفخ، فمِن شدّة نفخَتِها تنقطعُ السّماء، وتنطمسُ النجوم، وتجمدُ البحار، وتزولُ الجبال، وتُظلِمُ الأبصار، وتضَعُ الحوامل حَملْها، وتشيبُ الوِلدانُ من هَولها يومَ القيامة..».
* وعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: «..فيُحشَرُ الناسّ عندَ صخرةِ بيتِ المقدِس، فيُحشر أهلُ الجنّة عن يمين الصخرة... وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخومِ الأرضين السابعة، وفيها: الفلَق والسِّجّين...».
* عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وقد سئل عن «الفلَق»، فقال: «صَدْعٌ في النّار فيه سبعون ألفَ دار، في كلّ دارٍ سبعون ألف بيت، في كلّ بيت سبعون ألف أسْوَد، في جوف كلّ أسود سبعون ألف جزءٍ من سمّ، لا بدّ لأهل النار أنّ يمرّوا عليها».
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾.
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، في خطبة له يذكر فيها حال الأئمّة عليهم السلام وصفاتهم، قال: «..لم يزَلْ -الإمام المعصوم- مَرْعِيّاً بعين الله، يحفظُه ويَكلَؤه بستره، مطروداً عنه حبائلُ إبليس وجنودِه، مدفوعاً عنه وقوبُ الغواسق، ونفوثُ كلِّ فاسق، مصروفاً عنه قوارفُ السوء..».
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
* عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كادَ الفَقر أن يكون كُفراً، وكاد الحسَدُ أن يغلبَ القدَر».
* وعنه عليه السلام: «لا يؤمنُ رجلٌ فيه الشّحّ، والحسد، والجُبن..».
* وأيضاً عنه، صلوات الله عليه: «قال لقمانُ لابنه: .. وللحاسدِ ثلاثُ علامات: يغتابُ إذا غاب، ويتملّقُ إذا شَهِدَ، ويشمتُ بالمصيبة».
المعوّذتان
* المعَوِّذتان، بضمّ الميم، وفتح العين، وكسر الواو المشدّدة: سورتا «الفلق» و«الناس». والعوذ هو التجاءٌ إلى شيء واعتصامٌ به من شرٍّ مواجِهٍ له.
* الفَلَق: ما يتّصف بكونه منفلِقاً وفيه انفلاق: كالصّبح المنفلِق، والأرض المطمئنّ المنفلق بين ارتفاعين، والحقّ المتبيَّن المنفلِق عن الظلام.
* الغاسِق: كلّ شيء نزل وأحاط، مادّيّاً كالظّلمة في الليل، أو معنويّا كالكدورات والظلمات الغاشية للقلب.
* وقوبُ الغاسق: دخوله.
* النفّاثات في العُقد: النافخات في ما يكون متعقّداً، والمراد إحكام العُقَد، وإبرام المشكلات، وتشديد الفِتن، والتضييق في أمور الناس ظاهراً ومعنًى، ويقابل ذلك: حَلُّ عُقَد الأمور.
(التحقيق في كلمات القرآن للمصطفوي، ومصادر أخرى)